لا شكَّ يُدرك عدداً مِن القضايا كبيراًَ جِدَّاً ، بوضوح تامٍّ ووجدان كامل.
ولكنَّه حين يأتي إلى قضايا أُخرى بعدد كبير أيضاً فإنَّه يشكُّ فيها ، ولا يستطيع أنْ يُعطي حولها قناعة أو جزماً مُعيَّناً ؛ إمَّا لأنَّها غير واضحة لذاتها ، أو للشكِّ في تحقُّق موضوعها وموردها ، أو لوقوعها موقع التعارض والتزاحم مع قضايا أُخرى ، ولعلَّ العقل يجهل المُحصَّل أو النتيجة التي ينبغي البتُّ بها بعد التزاحم. ولاشكَّ أنَّنا لو كان عندنا إدراك للواقعيَّات لما تورَّطنا في مثل هذه الشكوك والجَهالات.
الأمر الثالث : إنَّنا حين نتحدَّث عن أمر تاريخيٍّ كواقعة الحسين عليهالسلام ، فإنَّنا يُمكن أنْ نُتمثِّل بهذا المثال ، وهو قولهم : يرى الحاضر ما لا يرى الغائب (١) ، ومِن الواضح أنَّهم كانوا حاضرين ، ونحن غائبون ، وهم مشاهدون ونحن غير مشاهدين. إذن فليس من حقنا أن نعترض على أية واقعة تاريخية لم نشاهدها ولم نُحِطْ بها خُبْراً ؛ إذ لعلَّ أهلها والقائمين بحوادثها ، قد علموا ما لم يُعلم مِن القرائن والحوادث والعَلاقات ، وشخَّصوا التكليف لهم بأنْ يفعلوا كذا أو يتركوه ، وليس لنا أنْ نفتح أفواهنا ضِدَّهم بشيء ، ونحن غير مُلمِّين بالموضوع مِن جميع جهاته ، مع أنَّهم لا شكَّ كمُعاصرين للأحداث ومُلاحظين لها حال وقوعها ، أنَّهم مُلمُّون بها مِن جميع جهاتها.
الأمر الرابع : إنَّ عدداً مِن الأُمور النظريَّة والعلميَّة ، مِمَّا يتعذَّر على عقولنا إدراك واقعيَّاتها ، يُمكن مِن الناحية المنطقيَّة طرح أفكار محدودة ، تحمل مُحتملات معقولة على شكل (أُطروحات) ، نُحاول أنْ نجمع القرائن على صحَّتها مِن ناحية ، ونَدفع بها الاَستدلال المُضادَّ مِن ناحية أُخرى. إنَّ المُشكِّك حين
__________________
(وهذا التعريف ذكره نصّاً سماحة المؤلِّف في أحدى مُحاضرات التفسير).
(١) مجمع الأمثال ج ٢ ص ٥٠٩ ، بتصرُّف.