يطعن في أيِّ أمر ، إنَّما يطعن في حكمة فاعله وصوابه ، ويُحاول أنْ يستدلَّ بهذا على ذلك ؛ ومِن هنا تأتي الأُطروحة أو تلك لأجل حمل الفاعل على الصحَّة والصواب ، وأنَّ فعله قابل للقبول. ومعناه أنَّ الاستدلال الذي أراده الخصم قد فشل ؛ إذ بدخول الاحتمال يبطل الاستدلال ؛ لأنَّ الاستدلال مِن الناحية المنطقيَّة يحتاج إلى الجزم بنتيجته ، وهذه الأُطروحات تُخلخل هذا الجانب وتُطيح به ، ومعه يسري الفساد إلى نتيجة الاستدلال نفسها.
وهذا التكوين النظري (١) ، يُمكن تطبيقه على كثير مِن حوادث التاريخ ، بالنسبة إلى كثير مِن المعروفين السابقين ، وخاصَّة ما إذا كانوا معصومين. بلْ المعصومون أولى بالصحَّة في هذا الصدد ، وأؤكِّد مِن حيث قبول أفعالهم وأقوالهم ، بعد ثبوت عصمتهم ببرهان ليس الآن محلُّ ذكره ؛ فإنْ لم نكن نعرف وجه الحكمة الحقيقية مِن بعض أُمورهم فلا أقلَّ مِن وجود أُطروحة أو أكثر لحملها على الصحَّة. مِمَّا يُبطل الاستدلال والتشكيك ضدَّهم جزماً.
الأمر الخامس : إنَّ الهدف أو الحكمة مِن كلِّ قول أو فعل وارد عن معصوم أو غيره ، لا ينحصر أنْ يكون هدفاً واحداً ، بلْ يُمكن أنْ يكون مُتعدِّداً ، سواء ما نعلمه مِن الأهداف أم ما نحتمله منها ، أم الأهداف التي تكون بالحكمة الإلهيَّة. والمُهمُّ الآن إمكان تعدُّد الأهداف لأيِّ تصرُّف ؛ ومِن هنا يُمكن أنْ تتعدَّد الأُطروحات المُحتملة ، المُصحِّحة لتلك التصرُّفات.
الأمر السادس : إنَّه ثبت في الفلسفة أنَّ أيَّ شيء في الخليقة فإنَّ لوجوده نحواً مِن الحكمة والهدف ، أو قُلْ : العلَّة الغائيَّة (٢) ، كما يُعبِّرون هناك
__________________
(١) التكوين النظري : أيْ وجود صورة ذهنيَّة بدون الالتفات إلى أنَّها موجودة في الخارج أم لا.
(٢) العلة الغائيَّة : وهي السبب الذي لأجله يحصل الفعل. فيقول العلاَّمة الحَلِّي في كشف المُراد : (إنَّ كلَّ =