«إنَّك ترى ما أرى وتسمع ما أسمع» (١). وقوله ـ أيضاً ـ : «يا علي ، ما عرف الله إلاَّ أنا وأنت» (٢) إلى غير ذلك مِن ألسنة الروايات.
في حين يوجد في بعض الروايات ما يدلُّ على ضدِّه ، إمَّا بمضمون قول الإمام عليهالسلام : «إنَّني رُبَّما بحثت عن الجارية فلم أجدها ، مع أنَّها في الغرفة المُجاورة» (٣) ، وأمَّا بمضمون قوله : «لم أدَّع ولم يدَّع أحد مِن آبائي أنَّنا نعلم الغيب» (٤).
وفي مثل ذلك : قد يقول المُستشكل : إنَّ الروايات هنا مُتعارضة ، والروايات المُتعارضة تسقط عن الحُجِّيَّة. وإذا سقطت عن الحُجِّيَّة لم يبقَ دليل على وجود الإلهام والتسديد للمعصومين عليهمالسلام غير النبي صلىاللهعليهوآله ؛ لأنَّ الطائفة الدالَّة على ذلك تكون قد سقطت بالمُعارضة.
ويُمكن الجواب على ذلك بعِدَّة وجوه نذكر أهمَّها :
الجواب الأوَّل : إنَّ مضمون الطائفة الثانية الدالَّة على حِيرة الأمام عليهالسلام في البحث عن الجارية ونحو ذلك ، إنَّما يكون في الحكمة الإلهيَّة لدفع احتمال الربوبيَّة عنهم عليهمالسلام ؛ لأنَّ مَن تكون له مُميِّزات عُليا ومُهمَّة ، لا شكَّ أنَّ الناس بالتدريج قد تعتقد به الربوبيَّة.
وهذا ما حصل فعلاً في التاريخ لعدد مِن الناس كعليٍّ عليهالسلام ، وبوذا والمسيح وغيرهم ، وهذا ما لا يُريد الله حدوثه وسريانه في المُجتمع رحمة بالناس عن الضلال والجهل.
فمِن هنا تحصل هذه الحوادث البسيطة أمام الناس ؛ لكي يندفع احتمال
__________________
(١) نهج البلاغة. تحقيق د. صُبحي الصالح. خُطبة ١٩٢ ص ٣٠١. بتصرُّف.
(٢) المُحتضر للحسن بن سليمان الحلِّي ص ٣٨. وص ١٦٥ ـ مُختصر البصائر ص ١٢٥. بتصرُّف.
(٣) بصائر الدرجات ص ٥٧. أُصول الكافي على هامش مرآة العقول ج ١ ص ١٨٦. بتصرُّف.
(٤) مرآة العقول للمجلسي ج ٣ ص ١١٢. (ط). بتصرُّف.