الربويَّة بوضوح وبالحسِّ وبالعَيان. وهذا لا يعني أنَّهم أُناس عاديُّون ، بلْ يبقى مضمون الطائفة الأُولى مِن الأخبار ـ الدالَّة على التسديد لهم ـ قائماً.
الجواب الثاني : إنَّ مضمون الطائفة الثانية الدالَّ على حيرة الأمام عليهالسلام في البحث عن الجارية ونحوها ، يكون في الحكمة الإلهيَّة ، لإثبات السيطرة الإلهيَّة والقهر الإلهي على المعصومين ؛ لكي يفهم الناس أجمعون أنَّ هذه المُميِّزات ، التي دلَّت عليها الطائفة الأُولى وغيرها ، إنَّما هي هبات مِن الله سبحانه وليس قائمة بهم ذاتاً ، فالله هو الذي شرَّفهم وطهَّرهم ، وعلَّمهم واجتباهم وهداهم ، وعظَّهم وسدَّدهم وعصمهم ، إلى غير ذلك مِن الصفات.
ولو انقطعوا عن العطاء الإلهي طَرفة عين ، أو أُوكلوا إلى أنفسهم طَرفة عين ؛ لكان بالإمكان انقطاع كلِّ هذا العطاء الإلهي ؛ ولذا ورد عن الإمام : «اللَّهمَّ لا تكلني إلى نفسي طَرفة عين أبداً ولا أقلَّ مِن ذلك ولا أكثر يا ربَّ العالمين» (١).
فلأجل إثبات السيطرة الإلهيَّة والتحسُّس بالعطاء الإلهي باستمرار ، يكون مضمون الطائفة الثانية مِن الأخبار. حتَّى يكون محسوساً أنَّ الإمام مَهما كان عظيماً ، فإنَّه إذا أوكِل إلى نفسه فسوف يحتار في مكان الجارية ولم يستطع أنْ يجدها. والأمر في كلِّ شيء هكذا أيضاً.
الجواب الثالث : إنَّ المعصومين عليهمالسلام ـ عموماً ـ بما فيهم النبي صلىاللهعليهوآله وغيره لهم عالمان : عالم الظاهر الذي يُعايشون به الناس ، وعالم الباطن الذي يتَّصلون عن طريقه بالله سبحانه ، ويأخذون منه التسديد والتأييد. ومِن المُمكن القول : إنَّ لكلٍّ مِن هذين العالمين قوانينه وقواعده الخاصَّة به ، وإنَّ كلَّاً مِن هذين العالمين يؤثِّر ويشتغل بالاستقلال عن العالم الثاني ؛ ومِن هنا كانت
__________________
(١) مفاتيح الجنان ص ٥٩٦.