الطائفة الأُولى مِن الروايات ، وهي الدالَّة على الإلهام والتسديد ، تعبيراً عن العالم الباطن لهم عليهمالسلام ، والطائفة الثانية الدالَّة على حيرة الإمام في البحث عن الجارية ، تعبيراً عن العالم الظاهر لهم عليهمالسلام ؛ فتكون كلتا الطائفتين صادقة في حَقِّهم عليهمالسلام.
إلاَّ أنَّ هذا الجواب بالذات لا ينبغي المُبالغة في نتائجه ؛ لأنَّنا لو أخذناه على سعته للزم منه : أنَّهم عليهمالسلام لا يستعملون الإلهام الباطني في علاقاتهم الظاهريَّة على الإطلاق ، وهذا غير صحيح بكلِّ تأكيد. ومِن موارد النقض على ذلك تصريح الأمام الحسين عليهالسلام بمقتله قبل خروجه إلى العراق (١) ، إلى غير ذلك الكثير منهم (سلام الله عليهم).
نعم ، يُمكن أنْ يكون ذلك مُبرِّراً لبعض الأُمور فقط ، كالذي ورد في الطائفة الثانية مِن المضمون ، وكذلك يصلح أنْ يكون أحد التفاسير لإقبالهم (سلام الله عليهم) على الموت عن اختيار وطواعية ، فقد يكون بعنوان غفلتهم عن نتائج ذلك المُخطَّط ؛ أخذاً بجانب الظاهر مِن الحياة الدنيا. على أنَّ لذلك عِدَّة مُبرِّرات أُخرى ، قد نتعرَّض لها في مُستقبل هذا البحث.
هذا ، وأمَّا نفيهم (سلام الله عليهم) عن أنفسهم تلقِّي الوحي (٢). المُراد به أحد أُمور :
الأمر الأوَّل : التقيَّة في مُقابل الإرجاف بذلك مِن قبل المُغرضين.
الأمر الثاني : إنَّ المنفي في الرواية هو عدم ادِّعاء ذلك. وهو لا ينفي وجوده الواقعي لهم.
__________________
(١) اللهوف لابن طاووس ص ١٢ ـ مثير الأحزان لابن نما الحلِّي ص ٣٣ ـ أسرار الشهادة ص ٢٢٣
(٢) المُختصر للشيخ حسن بن سليمان الحلِّي. ص ٢٠. وهذا المعنى موجود أيضاً في نفس الرواية التي تقول : (إنِّي أبحث عن الجارية فلا أجدها).