الشهيد (١) وغيرهم.
ولو كانت التقيَّة واجبة إلزاماً لكان حال هؤلاء وغيرهم على باطل ، مع العلم أنَّهم لا شكَّ على حقٍّ ؛ لأنَّهم مُتَّفقهون بالأحكام الإسلاميَّة جزماً. ولاشكَّ أنَّها ـ مع ذلك ـ مشروعة ؛ فيتعيَّن أنْ تكون مشروعة بنحو التخيير لا بنحو الإلزام.
ومِمَّا دلَّ على ذلك ما روي عن رجلين مِن أهل الكوفة أُخِذا. فقيل لهما : ابريا مِن أمير المؤمنين عليهالسلام. فبرئ واحد منهما وآبى الآخر. فخُلِّي سبيل الذي برئ. وقُتِل الآخر. فقال الإمام الباقر عليهالسلام : «أمَّا الذي برئ فرجل فقيه في دينه ، وأمَّا الذي لم يبرأ فرجل تعجَّل إلى الجنَّة» (٢).
__________________
عليٍّ عليهالسلام ، فكتب فيه زياد إلى مُعاوية ، فأمره بأنْ يبعث به وبأصحابه إليه ، فبعث بهم مع وائل بن حجر الحضرمي ، ومعه جماعة فلمَّا أشرف على مرج عذراء قال : إنِّي لأوَّل المسلمين كبر في نواحيها ، فأُنزل هو وأصحابه عذراء وهي قرية عند دمشق ، فأمر معاوية بقتله ، فشفع أصحابه في بعضهم فشفَّعهم ، ثم قَتَل حجر وستَّة معه وأطلق ستَّة ، ولمَّا أرادوا قتله صلَّى رَكعتين ، ثمَّ قال : لولا أنْ تظنُّون بي غير الذي بي لأطلتهما ، وقال : لا تنزعوا عنِّي حديداً ، ولا تغسلوا عنِّي دماً ؛ فإنِّي لاقٍ مُعاوية على الجادَّة. وقال عبد الرحمان بن الحارث بن هشام لمُعاوية بعد مقتل حجر : والله ، لا تعدُّ لك العرب حِلماً بعدها ولا رأياً قتلت قوماً بعث بهم أُسارى مِن المسلمين. وكان قتله سنة ٥١ هـ ، وقبره مشهور بعذراء ، وكان مُجاب الدعوة. أُسد الغابة ج ١ ص ٣٨٥.
(١) زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ويُكنَّى بأبي الحسين ، وأُمُّه أُمُّ ولد ، أهداها المُختار بن أبي عبيدة لعلي بن الحسين ، فولدت له زياداً وعمراً وعليَّاً وخديجة. وقد خرج بثورة ضِدَّ الحُكم الأُموي ، المُتمثِّل بهشام بن عبد الملك آنذاك ، ولكن غدر به مَن بايعه مِن أهل الكوفة والمدائن ، والبصرة وواسط والموصل ، وخراسان والري ، وجرجان ، والذين وصل عددهم إلى مئة ألف تقريباً. ولكنْ عند خروجه وافاه ٢١٨ مِن رجاله ، فقال زيد : سبحان الله! فأين الناس؟! قيل : هم محصورون في المسجد. فقال : لا والله ، ما هذا لمَن بايع بعذر. ومع هذا العدد القليل خرج فقاتل وأُصيب بسهم في جانب جبهته اليُسرى ، فنزل السهم في الدماغ فمات على أثره ، ودفنوه أصحابه في العباسيَّة ، ولكنَّه أُخرِج وصُلِب (وقيل : إنَّه استمرَّ مصلوباً إلى أيَّام الوليد بن يزيد) وبعدها أُحرق بالنار ، ثمَّ جُعِل في قواصِر ثمَّ حُمِل في سقيفة ، ثمَّ ذُرِّي في الفرات. مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص ١٢٧.
(٢) أصول الكافي ج ٢ ص ٢٢١ حديث ٢١ ط طهران.