ولذا يُمكن القول : بأنَّه لم يثبت أنَّ ترك التقيَّة حرام ، إلاَّ قوله في أحدى الروايات : (التقيَّة ديني ودين آبائي ولا دين لمَن لا تقيَّة له) (١).
وهي لا شكَّ دالَّة على الإلزام. إلاَّ أنَّها ساقطة بالمُعارضة مع الروايات الدالَّة على الرخصة ، كالرواية السابقة (٢) ، فيبقى حُكم التقيَّة على التخيير.
والآيات الكريمة أيضاً غير دالَّة على الإلزام ، منها قوله تعالى : (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) (٣). وقوله تعالى : (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (٤).
وفي كلتا الآيتين يُعتبَر حًكم التقيَّة استثناء مِن أمر حرام وهو : موالاة الكافرين في الآية الأُولى ، والكفر في الآية الثانية. والاستثناء مِن مورد الحضر أو الحُرمة لا يدلُّ على أكثر مِن الجواز ، وذلك كما قال الفقهاء حول قول تعالى : (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ) (٥) ، فإنَّ حكم الصيد في استثناء مِن جانب حُرمته في حال الإحرام مع احتمال استمراره بعده ؛ فيكون دالَّاً على مُجرَّد الجواز.
نعم ، قد تكون التقيَّة واجبة إلزاماً ، فيما إذا توقَّف عليها هدف اجتماعيٌّ عامٌّ مُهمٌّ ، كالمُحافظة على بَيضة الإسلام ، إلاَّ أنَّه لم يكن الأمر يومئد هكذا ، بلْ
__________________
(١) أصول الكافي ج ٢ ص ٢٢٤ حديث ٢ ط طهران.
(٢) رواية الرجلين اللذين أُخِذا مِن أهل الكوفة.
(٣) سورة آل عمران آية ٢٨.
(٤) سورة النحل. آية ١٠٦.
(٥) سورة المائدة آية ٢.