بالعكس على ما سوف نعرف ، فإنَّ حفظ الإسلام يومئذ كان مُتوقِّفاً على التضحية لا على التقيَّة.
الأمر الرابع : مِن أسباب ترك الإمام الحسين عليهالسلام للعمل بالتقيَّة : إنَّنا حتَّى لو تنزَّلنا عمَّا قلناه في الأمر الثالث ، وفرضنا التقيَّة إلزاميَّة. إلاَّ أنَّ هذا الحكم بالإلزام ساقط بالمُزاحمة مع الأهمِّ ، إذ مِن الواضح مِن سياق الآيات أنَّ الأمر بالتقيَّة إنَّما هو في موارد فرديَّة مُتفرِّقة ، والإمام الحسين عليهالسلام واجه قضايا عامَّة تقتضي ترك التقيَّة والعمل بالتضحية :
أهمُّها : الطلب منه بمُبايعة الحاكم الأُموي ـ يومئذ ـ يزيد بن مُعاوية (١). وهو ما يترتَّب عليه نتائج وخيمة بالغة في الأهمِّيَّة ، قد تؤدِّي إلى اندراس الإسلام الحقيقي ، مُنذ عصره إلى يوم القيامة.
ومِن القضايا العامَّة المُهمَّة التي واجهها (سلام الله عليه) طلب أهل الكوفة لمُبايعتهم له وولايته الفعليَّة عليهم (٢). وهو حُكم عامٌّ ومُهمٌّ شرعاً ومُتقدِّم على حُكم التقيَّة.
وكلا الأمرين لم يواجهه أحد مِن أولاده المعصومين التسعة عليهمالسلام ؛ ومِن هنا كان عملهم بالتقيَّة مُتعيِّناً ، ومِن المُمكن القول : إنَّهم لو واجهوا ما واجهه الحسين عليهالسلام لكان ردَّ فعلهم كردِّ فعله تماماً.
الأمر الخامس : إنَّ الحسين عليهالسلام عَلِم ـ علماً طبيعيَّاً أو إلهاميَّاً ـ أنَّه سوف يموت على كلِّ حال حتَّى في مكَّة ، فضلاً عن غيرها مِن بلاد الله ؛ ولذا ورد عنه : (أنَّهم سوف يقتلوني حتَّى لو وجدوني مُتعلِّقاً بأستار الكعبة) (٣).
__________________
(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٢ ص ١٤٦ ـ مروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ٦٥.
(٢) اللهوف لابن طاووس ص ١٤ ـ تاريخ الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٤٦ ـ أسرار الشهادة للدربندي ص ١٩٩.
(٣) مرآة العقول للمجلسي ج ٢ ص ١٩٤ ـ مُثير الأحزان لابن نما الحلِّي ص ٤١. بالمضمون ، مِن الشبكة.