منه جواز حركته واحترام ثورته ؛ فيكون مُخصِّصاً لما دلَّ على حُرمة التقيَّة لو وجد.
وهذا الوجه أكيد الصحَّة ، لو تمَّ بالدليل كون التقيَّة عزيمة لا رُخصة ، وهو الوجه الذي يشمل أهله وأصحابه وأهل بيته ، الذين رافقوه في حركته وآزروه في ثورته ؛ فإنَّ التقيَّة إنْ كانت واجبة في حقِّهم أساساً ، فهي لم تكن واجبة عندئذ ، بلْ مُستثناة عنهم بأمر إمامهم الحسين نفسه ؛ حيث أوجب عليهم المسير معه والقتل بين يديه (١) ، بلْ التقيَّة لم تكن واجبة مِن هذه الناحية على أيِّ واحد مِن البشر على الإطلاق ؛ تمسُّكاً بما ورد عنه (سلام الله عليه) : «مَن سمع واعيتنا ولم ينصرنا اكبَّه الله في النار» (٢).
وهو دالٌّ بوضوح على لزوم نصره ووجوب ترك التقيَّة مِن هذه الناحية ، وكذلك ما ورد عنه أنَّه قال عليهالسلام حيث بقي وحيداً بعد مقتل أصحابه وأهل بيته : «هل مِن ناصر ينصرنا وهل مِن ذابٍّ عن حرم رسول الله» (٣) ، وسنذكر بعونه تعالى أنَّ هذا إنَّما قال الحسين عليهالسلام لأجل إقامة الحُجَّة
__________________
= فيها ، وأومأ بيده إلى موضع منها ، فقال : (ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم ـ ثمَّ أشار إلى موضع آخر وقال : ـ ههنا مِهراق دمائهم ثقل لآل محمد ينزل ، ههنا ـ ثمَّ قال : ـ واهٍ لك يا تربة ، ليحشرنَّ منك أقواماً يدخلون الجنَّة بغير حساب) وأرسل عبرته وبكى مَن معه لبكائه وأعلم الخواصَّ مِن صَحبه بأنَّ ولده الحسين يُقتل ههنا في عُصبة مِن أهل بيته وصحبه هُمْ سادة الشهداء لا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق (مقتل المُقرَّم نقلاً عن كامل الزيارات ص ٢٧).
بلْ يتعدَّى الأمر إلى الأنبياء السابقين على نبيِّنا الأعظم وآله وعليه السلام ، فلقد بكاه آدم عليهالسلام والخليل إبراهيم معه ، فإنَّه كالشهيد مع الأنبياء مُقبلاً غير مُدبِر ، وكأنِّي أنظر إلى بُقعته وما مِن نبيٍّ إلاَّ وزارها وقال : (إنَّك لبُقعة كثيرة الخير ، فيك يُدفن القمر الزاهر) كامل الزيارات لابن قولويه ٦٧.
(١) مُثير الأحزان لابن نما ص ٣٩ البحار للمجلسي ج ٤٥ ص ٨٦ أمالي الصدوق ص ١٣١.
(٢) أمالي الصدوق ص ١٣٢ ـ مقتل الخوارزمي ج ١ ص ٢٢٧ البحار ج ٤٤ ص ٣١٥.
(٣) اللهوف لابن طاووس ص ٤٩ كشف الغمَّة للأربلي ج ٢ ص ٢٦٢.