مُستطاعه طبيعيَّاً أنْ يتجنَّبهما معاً ؛ لمدى الضغط العظيم الذي وجَّهته الدولة يومئذ عليه ـ طبعاً ـ للمُبايعة ، وتهديداً بالموت إنْ تركها.
ويدلُّ على هذا الأمر مُضافاً إلى وضوحه التاريخي ، الارتكاز العامِّ لفهم الدولة الأُمويَّة يومئذ ، وكذلك ما فعل يزيد بن مُعاوية بسائر مُعارضيه مِن المُحاربة والتنكيل ، ولم يكن الحسين عليهالسلام ببِدع مِن ذلك ، كما يُعبِّرون.
ويدلُّ عليه ـ أيضاً ـ ما ورد عنه عليهالسلام مٍن قوله : (ألا وإنَّ الدَّعيَّ (١) بن الدَّعي قد رَكَزَ اثنتين : بين السلِّة (٢) والذِّلَّة ، وهيهات مِنَّا الذِّلَّة يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون» (٣). والدَّعي بن الدعي هو الحاكم الأُموي. والسِّلَّة هو سلُّ السيف للقتل ، والمُراد به التهديد بالقتل. والذِّلَّة هو المُبايعة والدخول تحت السيطرة الأُمويَّة. وقوله : وهيهات منَّا الذِّلَّة ، يعني هيهات منَّا المُبايعة كما يُريد الحاكم الأُموي. كما قال في الخُطبة نفسها : «أنْ نؤثر بيعة اللئام على مصارع الكرام» (٤) كما يدلُّ على ذلك ما ورد مِن أنَّ الحُكم القائم يومئذ دسَّ في مَكَّة أربعين مِن العُتاة وبثَّهم ما بين الناس ، وأوصاهم أنْ يقتلوا الحسين عليهالسلام حيث وجدوه ، ولو كان مُتعلِّقاً بأستار الكعبة ، وقد علم الحسين عليهالسلام ذلك ؛ ومِن هنا خرج مِن مَكَّة قاصداً كربلاء ؛ لكي لا يكون مقتولاً داخل الحرم المكِّي ، الذي جعله الله آمنا وحرَّم فيه كلَّ أشكال إهراق
__________________
(١) الدَّعيُّ : المُتَّهم في نسبه ، والذي يُدعى لغير أبيه ـ أقرب الموارد ج ١ ص ٣٧٣ ـ مجمع البحرين ج ١ ص ١٤٤ ـ بتصرُّف
(٢) السِّلَّة : سلَّ الشيء مِن الشيء سلَّاً : انتزعه وأخرجه في رفق ، كسلَّ السيف مِن الغِمد ـ أقرب الموارد ج ١ ص ٥٣٥ ـ مجمع البحرين ج ٥ ص ٣٩٨ ـ بتصرَّف.
(٣) اللهوف لابن طاووس ص ٤١ ـ مقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٦.
(٤) نفس المصدر.
(٥) أسرار الشهادة للدربندي.