ثانياً : إنَّ الأمام الحسين عليهالسلام لو ذهب بعيداً ، لأرجف عنه أعداؤه أنَّه ذهب مُنهزماً عن المواجهة وفارَّاً مِن المُلاقاة ، ولوصفوه بكلِّ عظيمة ، والأعلام يومئذ وفي كلِّ يوم على استعداد لذلك على أيِّ حال ، وهذا ما لا يُريده لنفسه بعد أنْ كان يعيش مِن نقطة قوَّة وبروز في المُجتمع بصفته سِبط الرسول صلىاللهعليهوآله وابنه ، وسيِّد شباب أهل الجنَّة ، والإمام المُفترض الطاعة لطائفة مِن المسلمين.
كيف ، ونحن نجد أعداءه قد أرجفوا ضدَّه ، بالرغم مِن تضحيته وصبره وصموده ؛ فكيف كان عليه الحال لو اختار الاحتمال الآخر. وإنْ كان يُدرك أنَّ فيه بعض المصالح. على أيِّ حال ، يكفي أنَّ هذا الإرجاف عندئذ يستطيع أنْ يُسيطر في المُجتمع الجاهل ، وأنْ يسلب بعض نقاط القوَّة ، التي كان يعيشها الحسين عليهالسلام فقد لا يكون عندئذ ناجحاً في عمله ، حتَّى لو ذهب إلى مكان بعيد.
ثالثاً : إنَّنا لا ينبغي أنْ نتوقَّع أنْ يذهب الحسين عليهالسلام إلى أيِّ نقطة مِن العالم كيف كانت ؛ ولذا لم يذكر له الذين ناقشوه على الخروج إلاَّ منطقة واحدة هي اليمن ، وقالو له : إنَّ فيها شيعة لأبيك (١) ؛ لأنَّ أباه أمير المؤمنين عليهالسلام ذهب إلى اليمن بأمر النبي صلىاللهعليهوآله ردحاً مِن الزمن ورآه اليمنيُّون وأحبُّوه.
أمَّا ذهابه إلى مناطق أُخرى ، فغير معقول إطلاقاً ، إمَّا لكونهم ضدَّ الحسين عليهالسلام كما حصل في الكوفة وكربلاء ، وإمَّا لأنَّهم غير مُسلمين أساساً ، وإمَّا لأنَّهم غير عرب أساساً ، يتعذَّر العيش معهم لاختلاف لُغتهم ، وإمَّا لأنَّهم مُتخلفون حضاريَّاً ، بحيث يضيع وجوده بينهم وينقطع خبره عن الآخرين ، وكلُّ
__________________
(١) الخوارزمي ج ١ ص ١٨٨ ـ مناقب بن شهر آشوب ج ٢ ص ٢٤٠ ط نجف