يكن في استطاعتها الحرب في الأماكن البعيدة ، وقد ورد عن بعض ناصحيه ـ والمُشفقين عليه مِن الخروج ـ (١) هذا المعنى ، فلماذا لم يفعل؟! وجواب ذلك يتمُّ في وجوه نذكر أهمَّها :
أوَّلاً : إنَّ ما قاله المُستشكل مِن ضعف الدول القديمة وإنْ كان صحيحاً إجمالاً ، إلاَّ أنَّه ليس صحيحاً تماماً ؛ إذ يكفي أنْ نتصوَّر كيف سار الفتح الإسلامي في ذلك القَرن الأوَّل نفسه ، بلْ قبل مقتل الحسين عليهالسلام إلى العراق وإيران ، وسوريا وفلسطين ومصر ، وأذلَّ الجبابرة والقياصرة والأكاسرة ، فكيف حصل ذلك إلاَّ باستعداد تامٍّ ومعنويَّات عالية؟!
كما يكفي أنْ نتذكَّر كيف خاض الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام قبل مقتل الحسين بمُدَّة طويلة حروباً مُروِّعة كصِفِّين والنهروان. أمَّا عن الحديث عن حروب الجاهليَّة السابقة على الإسلام فحدِّث ولا حرج.
إذن ؛ فالناس في ذلك الحين ، كانوا مُقاتلين شجعاناً ، ومُتدرِّبين على تحمُّل أنواع المصاعب في سبيل ما يطمحون إليه مِن الأهداف ، أو ما يُؤمَرون به مِن الأغراض.
إذن ؛ فمِن المُحتمل جِدَّاً ، بلْ السائغ تماماً ، أنْ نتصوَّر أنَّ الحسين عليهالسلام أينما ذهب فسوف يُرسل الحاكم الأُموي خلفه جيشاً عرمرماً (٢) للقضاء عليه وقتله ، أو أنْ يدسَّ إليه مَن يقتله غيلة أينما وجده ، وليس كلُّ ذلك على المُفسدين ببعيد.
إذن ؛ فهذا التخيير بين (السِّلَّة والذلَّة) أو البيعة والتضحية ، كان عليهالسلام مُكرهاً عليه في كلِّ وجه الأرض المنظور يومئذ بكلِّ تأكيد ، ولم يُمكن النجاة منه على أيِّ حال.
__________________
(١) ومنهم (محمد بن الحنفيَّة وعبد الله بن عباس) تاريخ الطبري ص ٢١٩ ـ الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٧ وص ١٦.
(٢) عرمرماً : الشديد والجيش الكبير (أقرب الموارد ج ٢ ص ٧٧٣).