وترك عبادة من لا يملك لنفسه شيئا ، بل هو مملوك له تعالى لأنه بعض ما فى السموات والأرض.
ثم وصف سبحانه أولئك الكافرين بصفات ثلاث.
(١) (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) أي إن أولئك الكافرين يطلبون الدنيا ، ويعملون لها ويتمتعون بلذاتها ، ويقترفون الآثام ، ويرتكبون الموبقات ، ويؤثرون ذلك على أعمال الآخرة التي تقرّبهم إلى الله زلفى ، وينسون يوما تجازى فيه كل نفس بما عملت ، يوم يفرّ المرء من أخيه ، وأمه وأبيه ، وصاحبته وبنيه ، وفصيلته التي تؤويه ، ومن فى الأرض جميعا.
(٢) (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي ويمنعون من تتجه عزأ : بالله واتباع رسوله فيما جاء به من عند ربه ، أن يؤمنوا به ويتبعوه ، لما رين لهم الشيطان من سلوك سبيل الطغيان ، وران على قلوبهم من الفجور والعصيان ، والبعد عند كل ما يقرّب إلى الرحمن.
(٣) (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي ويطلبون لها الزيغ والعوج وهى أبعد ما تكون من ذلك ، فيقولون لمن يريدون صدهم وإضلالهم عن سبيل الله ودينه ، إن ذلك الدين ناء عن الصراط المستقيم ، وزائغ عن الحق واليقين ، وإنك لتسمع كثيرا من الملحدين يقول إن القوانين الإسلامية فى الحدود والجنايات شديدة غاية الشدة وإنها تصلح للأمم العربية فى البادية ، لا للأمم التي أخذت قسطا عظيما من الحضارة : «كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلّا كذبا» فتلك شريعة دانت لها أمة غيّرت وجه البسيطة ، وملكت ناصية العالم ردحا من الزمان ، وكانت مضرب الأمثال فى العدل وترك الجور ، وثلّت عروش الأكاسرة والقياصرة ، وامتلكت بلادهم وأزالت عزهم وسلطانهم ، إلى أن غيّر أهلها معالمها فأركسهم الله بما كسبوا فبدّل عزهم ذلا ، وسعادتهم شقاء ، وتلك سنة الله ، أن الأرض يرثها عباده الصالحون لاستعمارها ، ثم حكم عليهم بما يستحقون فقال :