(أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي فهم باختيارهم لأنفسهم حب العاجلة ، وصدهم عن الدين ، وابتغائهم له الزيغ والعوج ـ فى ضلال بعيد عن الحق لا يرجى لهم فلاح ، وأنى لهم ذلك وقد كبّوا على وجوههم وزيّن لهم الفساد والغىّ ، فيرون حسنا ما ليس بالحسن ، وقبيحا ما ليس بالقبيح؟.
ثم بين سبحانه كمال نعمته وإحسانه إلى عباده ، فذكر أنه يرسل رسله إلى أقوامهم بلغاتهم ، كى لا يشق عليهم فهم الدين وحفظه فقال :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) أي وما أرسلنا رسولا إلى أمة من الأمم من قبلك وقبل قومك إلا بلغة قومه الذين أرسلناه إليهم ، ليفهمهم ما أرسل به إليهم من أمره ونهيه بسهولة ويسر ، ولتقوم عليهم الحجة وينقطع العذر ، وقد جاء هذا الكتاب بلغتهم وهو يتلى عليهم ، فأى عذر لهم فى ألا يفقهوه ، وما الذي صدهم عن أن يدرسوه ، ليعلموا ما فيه من حكم وأحكام ، وحلال وحرام ، وإصلاح لنظم المجتمع ، ليسعدوا فى حياتيهم الدنيا والآخرة؟.
والنبي صلى الله عليه وسلّم وإن أرسل إلى الناس جميعا ، ولغاتهم متباينة ، وألسنتهم مختلفة ، فإرساله بلسان قومه أولى من إرساله بلسان غيرهم ، لأنهم يبينونه لمن كان على غير لسانهم ويوضحونه لهم ، حتى يصير مفهوما لهم كما فهمره ، ولو نزل بلغات من أرسل إليهم وبيّنه ولكل قوم بلسانهم لكان ذلك مظنة للاختلاف ، وفتحا لباب التنازع ، لأن كل أمة قد تدّعى من المعاني فى لسانها ما لا يعرفه غيرها ، وقد يفضى ذلك إلى التحريف والتصحيف ، بسبب الدعاوى الباطلة التي يقع فيها المتعصبون وبعد أن بين سبحانه أنه لم يكن للناس من عذر فى عدم فهم شرائعه ـ ذكر أن الهداية والإضلال بيده ومشيئته فقال :
(فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي إن الناس فريقان ، فريق هداه الله وأضاء نور قلبه وشرح صدره للإسلام فاتبع سبيل الرشاد ؛ وفريق رانت على قلبه