وقد سبق أن قلنا ان البشر مرتکس الى قمة رأسه بالمغالطات والخلافات فما أحوج طالب الحق السابح في بحر المعارف الى أن يزيح عنه الزبد الطافح على الماء من رواسب غلطات الماضين بمعرفة ما يصطنعه المغالطون من أوهام.
ولکن ذوي الطباع السليمة والآراء المستقيمة في غني غن معرفة مواضع الغلط بتعلم القوانين والاصول في هذه الصناعة فان لهم بمواهبهم الشخصية الکفاية وان کان لا تخلو هذه الصناعة من زيادة بصيرة لهم.
ـ ٤ ـ
موضوع هذه الصناعة وموادها
ليس موضوع هذه الصناعة محدودا بشيء خاص بل تناول کل ما تتعلق به صناعة البرهان والجدل : فموضوعاتها بازاء موضوعاتهما ومسائلها بازاء مسائلهما بل ان مباديها بازاء مباديهما أي ان مباديها مشابهة لمباديهما.
غير أن هاتين الصناعتين حقيقيتان وهذه صورية ظاهرية لان المشابهة بحسب الرواج والظاهر کما قلنا سابقا من جهة ضعف قوة التمييز والقصور الذهني.
ومواد (١) هذه الصناعة هي المشبهات والوهميات على ما بيناه في مقدمة الصناعات. والوهميات من وجه داخلة في المشبهات باعتبار التوهم فيها أن المعقولات لها حکم المحسوسات.
__________________
(١) كان اللازم أن يقول : ومبادئ هذه الصناعة ... لأن المواد وهي القضايا التي تتألف منها المغالطة أعم مما ذكر ومما ليس كذلك ، ولكن استنتج من قياس تالف منها. فتذكر ما مر في ص ٣٩٢ من الفرق بين المبادئ والمواد.