العرب إلى تلك المنطقة الخصيبة ، فما المانع إذن أن يكون إبراهيم قد فكر ، لا نقول في العودة إلى موطن الأجداد ، بل في زيارته فحسب ، وهو الرجل الذي قضى حياته وهو يعيش حياة أشبه بحياة البدو وأبناء الصحراء العربية.
ثم هناك البينة الكبرى التي تأتي من مباحث اللغة ، وهي التقارب الشديد بين لغة الحجاز ولغة النبط أو النباتيين ، الذين ينتمون إلى «نبات بن إسماعيل بن إبراهيم ، ذلك لأن لغة الحجاز لم تتطور من اللغة اليمنية مباشرة ، وإنما جاء التطور من العربية القديمة (١) إلى الأشورية إلى الآرامية إلى النبطية إلى القرشية ، فتقارب لغة النبط ولغة قريش من هذا السبيل ، وكان التقارب بينهما في الزمان والمكان ، أو في درجات التطور ، ولم يكن تقاربا يقاس بالفراسخ والأميال ، وكانت هذه هي البينة الكبرى من مباحث اللغة على قرابة أهل الحجاز من النبطيين أو النباتيين أبناء إسماعيل ، ولم تكن هذه القرابة من اختراع النسابين أو فقهاء الإسلام ، ولكنها كانت قرابة الواقع التي حفظتها أسانيد اللغة والثقافة ، واستخرجتها من حجارة الأحافير والكشوف الحديثة (٢) ، ومما يدعو إلى
__________________
(١) راجع عن الصلات اللغوية بين العرب ومصر ، ومدى أثر الهيروغليفية المصرية في الكتابة السامية الجنوبية (مقالنا : العرب وعلاقاتهم الدولية ، وكذاH.Jensen ,Sign. وكذاSvmbol and Script, andAcdount of Man\'s Etforts to Write P. ٠٥٣ I. Leibovitch, Les Inscriptions Protosimaitiques, MIE, ٤٢, ٤٣٩١, P. ١٢ FF وكذاM. Sprengling, The Alpahabet, its Rise and Development from The Sinali Inscrip Tions, P. ٤٦
وكذا : عبد المنعم عبد الحليم : دراسة تاريخية للصلات والمؤثرات الحضارية بين حضارة مصر الفرعونية وحضارات البحر الاحمر ص ١١٨ ـ ١٢٢
(٢) يتجه العلماء إلى أن الأنباط عرب ، بل وأقرب في عروبتهم إلى قريش وعرب الحجاز من عرب الجنوب ، لأن أسماءهم عربية ، ولأن أسماء ملوكهم وملكاتهم عربية كذلك ، ولأنهم يعبدون آلهة عربية ، ولأن لغتهم لم تكن أرامية وانما عربية ، وان استعملوا الآرامية في نقوشهم ، ولأن الكتاب الكلاسيكيين ـ وكذا اليهود ـ إنما كانوا يطلقون عليهم لفظ العرب (أنظر : كتابنا «بلاد العرب» ، بلاشير : تاريخ الأدب العربي ـ العصر الجاهلي ص ٥٥ ـ ٥٦ ، جرجي زيدان : المرجع السابق ص ٨١ : وكذاCIS ,P.٢٤٢ ,٠٦٢ وكذاJaussen and Savignac, Mission Archeologique en Arabic, PP. ٢٧١ ـ ٦