غيرها تراه معهما في البيت ، وتحريف اليهود لكتابهم أشهر من نار على علم (١).
وهكذا يبدو بوضوح ما ذهبنا إليه ، وهو أن الأمر لم يكن مزاح صبي ، وإنما كان غيرة امرأة من ابن ضرتها ، وخوفا منها على مكانتها عند زوجها ، ورغبتها في أن لا ينصرف حبّ هذا الزوج إلى غيرها من النساء ، وفي أن لا ينال ابن ضرتها ـ وهو بكر أبيه (٢) ـ شيئا من ميراث أبيه ، ذلك لأن حب المرأة لأبنائها أمر معلوم ، ومن هنا بدأت تفكر في إزاحة إسماعيل وأمه من مكانتهما ، فكان التبرير من كاتب التوراة أن إسماعيل كان يمزح في وليمة فطام إسحاق ـ كما أشرنا آنفا ـ وانطلاقا من هذا فقد استجاب إسماعيل وأمه لإبراهيم فيما ارتآه من أن يجنبهما النزاع الذي قد يتفاقم بين الزوجتين ، والغيرة التي قد تقتل سارة ، وتزعج أمن إبراهيم واستقراره.
وأيا ما كان الأمر ، فإن القرآن الكريم لم يشر الى سبب هذا الحادث ، وانما يروي البخارى عن ابن عباس أن هاجر سألت إبراهيم حين وضعها وابنها هناك في مكة عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، ثم قفى منطلقا ، «أألله أمرك بهذا؟ فقال نعم : قالت : إذا لا يضيعنا» (٣).
__________________
(١) عبد الوهاب النجار : المرجع السابق ص ١٠٤
(٢) أنظر عن البكورية وأهميتها عند بني إسرائيل : مقالنا «قصة أرض الميعاد بين الحقيقة والأسطورة» وكذا : صبري جرجس : التراث اليهودي الصهيوني ص ٦٧ ، تكوين ٢٥ : ٢٧ ـ ٣٣ ، كتابنا إسرائيل ص ٧٥
(٣) ابن كثير ١ / ١٥٤ ، تفسير القرطبي ٩ / ٣٦٩ ، تفسير الطبري ١٣ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠ (طبعة ١٩٥٤) ، تفسير الألوسي ١٣ / ٢٣٦ ، المقدسي ٣ / ٦٠ ، الازرقي ١ / ٥٤ ، ٢ / ٣٩ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٣٦ ، تاريخ الخميس ص ١٠٦ ، ابن الأثير ١ / ١٠٣ ، شفاء الغرام ٢ / ٣ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥.