تلك أمور عادية تحدث في كل بيت تتعدد فيه الزوجات ، أيا كان هذا البيت ، وسواء أكان صاحب هذا البيت ملكا يحكم الناس ، أو زعيما تصفق له الملايين ، أو حتى فقيرا يكد ليله ونهاره من أجل لقمة العيش ، بل إن ذلك أمر ، عرفناه في بيوت أنبياء بني إسرائيل وملوكهم من بعد ، عرفناه في بيت يعقوب بين زوجاته الأربعة ، كما عرفنا آثاره في قصة يوسف عليهالسلام ، وعرفناه في بيت داود ، ممثلا في قصة أمنون وإبشالوم (١) ، وفي النزاع بين أدونيا وسليمان (٢) ، كما عرفناه في بيت سليمان بين نسائه الكثيرات ، بل إن قصة غيرة السيدة عائشة من السيدة خديجة ـ رضياللهعنهما ـ وقد انتقلت الأخيرة إلى جوار ربها الكريم ، أمر معروف.
ومن هنا فإن غيرة السيدة سارة ـ فيما أعتقد ـ ليست من خوارق العادات أو شواذ الأمور ، ومن ثم فإنّا لا نوافق رواية التوراة من أن «سارة رأت ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم يمزح ، فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها» ، ذلك لأن العداوة بين المرأتين بدأت حتى قبل أن ترزق هاجر بوليدها ، وذلك حين أذلتهما سارة ، فهربت منها إلى الصحراء المقفرة ، ولم تعد إليها إلا بأمر ملاك الرب الذي بشرها بأنها ستلد ابنا تدعوه إسماعيل (٣).
وهكذا يبدو واضحا أن تعليل التوراة لطرد هاجر بأن إسماعيل كان يمزح يوم فطام إسحاق تعليل غير كاف ، ففي حديث البخاري أن إسماعيل كان رضيعا يوم أبعد هو وأمه إلى مكة ، ومحال أن يكون من رضيع مزح ولا غيره ، وإنما هي غيرة سارة من أن يكون لإبراهيم ولد من
__________________
(١) صموئيل ثان ١٣ : ١ ـ ٣٩
(٢) ملوك أول ١ : ٥ ـ ٥٣
(٣) تكوين ١٦ : ٥ ـ ١٥ ، ٢١ : ٩ ـ ١٠