والسلام ـ أنه يؤمر بذبح ولده هذا ، ولما كانت أنبياء الله تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، فإن «رؤيا الأنبياء وحي» (١) ، ولهذا صمم الخليل على تنفيذ أمر ربه ، ولم يثنه عن عزمه هذا ، أن إسماعيل وحيده ، وأنه قد رزق به وهو شيخ كبير ، على رأس ست وثمانين سنة من عمره ، وبعد أن ظل يرجوه أعواما وأعواما ، رغم ذلك كله ، فإن خليل الله قد عقد العزم على إنجاز ما أمر به ، بإيمان المؤمنين ، واستسلام المسلمين لله وحده ، مما يدل على منتهى الطاعة والامتثال لأمر الله ، وهذا هو الإسلام بعينه ، إذ أن الإسلام هو الطاعة والامتثال لله ، وهو دين الأولين والآخرين (٢) ، ولهذا فقد وصف الله سبحانه وتعالى هذا الأمر بقوله تعالى : «إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ» (٣) ، على أن الخليل إنما رأى أن يعرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرا ويذبحه قهرا (٤).
ولنقرأ هذه الآيات الكريمة : «وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ، رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ، فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى ، قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ، فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ، وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ، وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ، وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ، سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ ، كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا
__________________
(١) تفسير ابن كثير ٤ / ٩ ، البداية والنهاية ١ / ١٥٧ ، قارن : تفسير البيضاوي ٢ / ٢٩٧ روح المعاني ٢٣ / ١٢٨
(٢) انظر : تفسير الطبري ٢ / ٥١٠ ـ ٥١١ ، ٣ / ٧٤ (طبعة دار المعارف)
(٣) سورة الصافات : آية ١٠٦
(٤) انظر : تفسير القرطبي ١٥ / ١٠١ ـ ١٠٤ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٢٩٧ ، تفسير الطبري ١٥ / ٧٨ ـ ٧٩