فقال : يا أبت من أتاك بهذا الحجر ، فقال : أتاني به من لم يتكل على بنائك ، أتاني به جبريل من السماء (١).
والحجر الأسود حجر صقيل بيضي غير منتظم ، ولونه أسمر يميل إلى الإحمرار ، وفيه نقط حمراء وتعاريج صفراء ، وقد يكون من نوع النيازك بدليل وصفه أنه كان يتلألأ نورا ، فأضاء شرقا وغربا ، ويمينا وشمالا ، إلى منتهى أنصاب الحرم ، وتلألؤه الموصوف دليل على أنه كان ذي لون غير السواد ، وقد ثبت عن النبي (ص) أن الحجر الأسود كان ياقوتة بيضاء فاسود بذنوب العباد ، وأنه (ص) قال : «نزل الحجر الأسود من الجنة ، وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم». وأما تقديس الحجر الأسود ، فربما قد نجم من ارتباطه بشيء مقدس ، فهو إما أن يكون رمزا للعهد الذي أخذه إبراهيم على نفسه وولده ، بجعل هذا البيت مثابة للناس وأمنا ، وإما أن يكون قد أقامه إبراهيم حجة عليه وعلى ولده ، بأن هذا البيت قد انتقل من ملكهم إلى الله تعالى ، ليكون للناس مصلى ، ومسجدا للطائفين والعاكفين والركع السجود ، ولذا فقد وضعه في الركن الأقرب إلى الباب ، ليكون أول حدود هذا البيت المكرم ، الذي يبتدئ منه الطائفون ، واختار له اللون الأسود لسهولة تعيينه وتحديد مكانه ، لذلك كان الحجر الأسود محترما من إبراهيم ، محترما من ولده ، مقدسا عند المسلمين إلى اليوم وإلى الغد ، وإلى أن يغير الله هذه الأرض غير الأرض (٢).
وهكذا بنى إبراهيم وإسماعيل ، عليهماالسلام ، «الكعبة المشرفة» بيتا
__________________
(١) تاريخ الطبري ١ / ٢٥٠ ـ ٢٦٠ ، تفسير الطبري ٣ / ٦٦ ـ ٧٠ ، ابن الأثير ١ / ١٠٦ ، ابن كثير ١ / ١٥٦ ، ١٦٣ ـ ١٦٦ ، الأزرقي ١ / ٥٨ ـ ٦٥ ، تاريخ الخميس ص ١١٣ ، شفاء الغرام ٢ / ٤ ـ ٨ ، تفسير القرطبي ٢ / ١٢٢ ، قصص الأنبياء ص ١٠٦ ، قصص القرآن ص ٦٥ ـ ٦٧ ، مروج الذهب ٢ / ٢٢ ، قارن : اليعقوبي ١ / ٢٧
(٢) علي حسني الخربوطلي : المرجع السابق ص ١٩ ـ ٢٠ ، لطفي جمعة : ثورة الاسلام ص ٥٩ ، الهجرسي : كتاب الحج ص ٢٥ ، وأنظر : العقد الثمين ١ / ٦٧ ـ ٦٨.