شرائح من لحم ، وهو ما يزال على دابته ، وأنه ترك آثار رجليه على حجر كان يتكئ عليه أثناء ترجيل شعره أو غسله (١) ، وإذا قيل أن الأرض كانت تطوي له ، وأنه كان يركب البراق إذا سار إليهم ، فسؤال البداهة هنا : كيف قبل هؤلاء المؤرخون أن يسجلوا في كتبهم أن الخليل ـ عليهالسلام ـ لم يزر إسماعيل ـ منذ أن تركه رضيعا مع أمه هناك في واد قفر ـ إلا بعد أن تزوج إسماعيل ـ عليهالسلام ـ وكيف قبلوا أن يسجلوا على أنفسهم أن أبا الأنبياء تخلف كل هذه الفترة عن مطالعة أحوال ولده وزوجته ، وهم في أشد الحاجة إليه ، وهل هذا يتفق وخلق أبي الأنبياء ، كما قدمه لنا القرآن الكريم (٢).
ونحن لا ننكر أن تكون قدما الخليل عليهالسلام ، قد تركت أثرا في الحجر ، فقد علمنا من القرآن معجزات للخليل أعظم من هذه وأكبر ، ولكننا ننكر أن يكون السبب في ذلك أنه أبى أن ينزل عن دابته ، لأن سارة اشترطت عليه ذلك ، ومن ثم فإننا نشم رائحة الاسرائيليات في هذه الروايات.
وعلى أي حال ، ففي إحدى زيارات الخليل لولده إسماعيل ، عليهماالسلام ، وجده يصلح نبلا له من وراء زمزم ، فقال له : يا إسماعيل ، إن الله قد أمرني أن أبني له بيتا ، فقال إسماعيل : فأطع ربك ، فقال إبراهيم : قد أمرك أن تعينني على بنائه ، قال : إذن أفعل ، فقام معه ، فجعل إبراهيم يبنيه ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، ثم قال إبراهيم لإسماعيل ائتني بحجر حسن أضعه على الركن ، فيكون للناس علما ، وذهب إسماعيل يلتمس لأبيه حجرا ، فأتاه به ، ولكنه وجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه ،
__________________
(١) مروج الذهب ٢ / ٢٠ ـ ٢٢ ، ابن الأثير ١ / ١٠٤ ، الطبري ١ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، الحربي : المرجع السابق ص ٤٨٣ ـ ٤٨٤ ، تفسير الطبري ٣ / ٣٥
(٢) ابن كثير ١ / ١٥٧ ، تفسير القرطبي ٩ / ٣٧٠