من التقدير والاحترام عند العرب ، لا يتوفر لغيرهم (١).
وخطت قريش خطوة أخرى في اجتذاب القبائل العربية إلى مكة ، فنصبت أصنام جميع القبائل عند الكعبة ، فكان لكل قبيلة أوثانها ، تقدم في الموسم لزيارتها وتقديم القرابين لها ، وزاد عدد الأصنام عند الكعبة على ثلاثمائة صنم ، فيها الكبير والصغير ، ومنها ما هو على هيئة الآدميين أو على هيئة بعض الحيوانات او النباتات ، وكان أكبر الأصنام «هبل» في صورة انسان من عقيق أحمر (٢).
وهكذا تمضي الأيام وتزداد مكانة الكعبة عند العرب ، حتى تصبح آخر الأمر المفخرة القومية والحرم الإلهي عندهم ، ثم تغدو بعد حين من الدهر ، الحوار الوحيد الذي يشعر العرب عنده بشعور العروبة الموحدة ، عالية الرأس ، غير مستكينة لأجنبي كائنا من كان ، ذلك لأنهم كانوا يحسون أنهم من رعايا الروم في الشام ، ومن رعايا الفرس في الحيرة ، وأتباع للحبشة أو الفرس في اليمن ، ولكنهم هنا ـ في مكة ـ عند بيت الله ، في حرم الله ، يقدسونه جميعا ، لأنه لهم جميعا ، يضمهم إليه كما يضم أوثانهم وأصنامهم وأربابهم ، يلوذون به ، ويأوون إليه ، فكلهم من معبود وعابد في حمى الكعبة ، لأنهم في بيت الله ، وشعورهم هنا ، بأنهم «عرب» لم يماثله شعور قط في أنحاء الجزيرة العربية ، وقد أوشك أن يشمل شعب اليمن وجمهرة أقوامه ، على الرغم من سادته وحكامه ، فما كان هؤلاء الحكام لينفسوا على الكعبة مكانها ويقيموا لها نظيرا في أرضهم ، لو كان شعب اليمن منصرفا عنها ، غير معتز بها ، كاعتزاز البادية والصحراء (٣).
__________________
(١) ابن هشام ١ / ١٤٧ ، ابن سعد ١ / ٥٨
(٢) اليعقوبي ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ، الروض الانف ٢ / ٢٧٦ ، الأزرقي ١ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، جرجي زيدان : تاريخ التمدن الاسلامي ١ / ٣٧ ، جوستاف لوبون : حضارة العرب ص ١٢٤ ، كتاب الأصنام ص ٢٧ ـ ٢٨ ، E.Gibbon ,op - cit ,٥ ,P.٥٢٢
(٣) العقاد : المرجع السابق ص ٥٦