اليوم ، فلما كان الجمع رتبت السور ونظمت في كتاب (١) ، بل إن بعضهم ليذهب إلى حد ان ينسب إلى زيد بن ثابت ، أنه قال : «قبض النبي ولم يكن القرآن جمع في شيء» (٢) .... إلى غير ذلك من ادعاءات لا يقصد بها وجه الله ، فضلا عن البحث العلمي لذاته.
والحق أن هؤلاء وأولئك قد جانبهم الصواب فيما ذهبوا إليه ، فالأمر الذي لا شك فيه أن الآيات إنما جمعت سورا على عهد رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وبتوقيفه ، لأسباب كثيرة ، منها (أولا) أن الإمام مالك ـ رضياللهعنه ـ كان يقول : «إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعونه من رسول الله ، (صلىاللهعليهوسلم) (٣)» ، ومنها (ثانيا) أن عبد الله بن مسعود يقول : «قرأت من فيّ رسول الله ، (صلىاللهعليهوسلم) ، بضعا وسبعين سورة ، وقرأت عليه من (سورة) البقرة إلى قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٤) (أي إلى آخر الآية : ٢٢٢) ، ومنها (ثالثا) ما رواه البخاري ومسلم ، عن أنس بن مالك ، أنه قال : «جمع القرآن على عهد النبي ، (صلىاللهعليهوسلم) ، أربعة كلهم من الأنصار (٥)».
ومنها (رابعا) أن زيد بن ثابت قد قرأ القرآن كله على رسول الله ، (صلىاللهعليهوسلم) ، ومنها (خامسا) ما تظاهرت عليه الروايات بأن الأئمة الأربعة قد جمعوا القرآن على عهد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأجل سبقهم
__________________
(١) محمد حسين هيكل : الصديق أبو بكر ص ٣٠٧
(٢) أنظر : Sir William Muir, The Life of Mohammad, Edinburgh, ٣٢٩١
(٣) تفسير القرطبي ١ / ٦٠ ، محمد أبو زهرة : القرآن ص ٤٨ ، قارن : مقدمتان في علوم القرآن ص ٤٩
(٤) نفس المرجع السابق ص ٣٠ ، تفسير القرطبي ١ / ٥٨
(٥) الزركشي : البرهان في علوم القرآن ١ / ٢٤١ ـ ٢٤٣