العظيم ، حين يسره للحفظ ، (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (١) ، فكتب له الخلود ، وحماه من التحريف والتبديل ، وصانه من تطرق الضياع إلى شيء منه ، عن طريق حفظه في السطور ، وحفظه في الصدور (٢) مصداقا لقوله تعالى (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ ، لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٣) ، وقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٤) ، وقوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (٥).
ولعل من الأفضل هنا أن نشير إلى أن القرآن الكريم ، إنما كان مكتوبا كله عند الصحابة ، قد لا يكون الأمر كذلك عندهم جميعا ، أو عند واحد منهم بعينه ، ولكنه كذلك عند الجميع ، وأن ما ينقص الواحد منهم يكمله الآخر ، ومن ثم فقد تضافروا جميعا على نقله مكتوبا ، وإن تقاصر بعضهم عن كتابته كمل الآخر ، وكان الكمال النقلي جماعيا ، وليس أحاديا
على أن هناك بعض المؤرخين ـ وكذا بعض المستشرقين ـ إنما يذهبون إلى أن القرآن الكريم ، إنما بقي حتى انتقال الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إلى الرفيق الأعلى ، لم يجمع سورا ، ولم ينتظم كتابا ، فبقيت الآيات التي نزلت فرادى لم تضم إلى غيرها على الصورة التي نراها
__________________
(١) سورة القمر. آية ٣٢
(٢) أنظر : الدكتور محمد عبد الله دراز : النبأ العظيم ص ١٢ ـ ١٤
(٣) سورة فصلت : آية ٤١ ـ ٤٢
(٤) سورة الحجر : آية ٩
(٥) سورة القيامة : آية ١٧ ـ ١٩ ، وانظر : تفسير الطبري ١ / ٩٥ ـ ٩٧
(٦) محمد أبو زهرة : القرآن ص ٢٨
(٧) انظر : عبد المنعم ماجد : التاريخ السياسي للدولة العربية ١ / ٢٥٠ ـ ٢٥١
(٨) R.Blachere ,Introduction au Coran ,٩٥٩١ P.٢٢ وكذا.T.Noeldeke ,Geschichte des Quarans ,١٦٩١ ,P.٦١