اضطرت كثيرين منهم إلى الهجرة إلى الحبشة ، فهداه تفكيره إلى أن الخلاص من هذه الأزمة الحادة ، إنما يكمن في «قتل محمد الذي فرق أمر قريش وعاب دينها» ، ومن ثم فقد خرج متوشحا سيفه ، فلقيه نعيم بن عبد الله ، وأخبره أن اخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن الخطاب ، قد أسلما وتابعا محمدا ، فما كان من عمر إلا أن أسرع إليهما ، وهناك سمع عندهما من يقرأ القرآن ، فبطش بهما حتى شج أخته ، غير أنه ما لبث غير قليل ، حتى ندم على ما أصابها ، وطلب منها أن تعطيه الصحيفة التي كانوا يقرءون فيها ـ وكان بها سورة طه ـ وقرأ ابن الخطاب ما بالصحيفة ، فأخذه إعجازها وجلالها وسمو الدعوة التي تدعو إليها ، فذهب إلى الرسول ـ (صلىاللهعليهوسلم) وأسلم على يديه (١) ، وليس من شك في أن هذه الصحيفة لم تكن إلا واحدة من صحف كثيرة متداولة بين أيدي الذين أسلموا من أهل مكة ، سجلت سورا أخرى من القرآن الكريم ، ولقد ظل الرسول (صلىاللهعليهوسلم) بين المسلمين في مكة والمدينة ثلاث عشرة سنة بعد إسلام عمر ، كان يقول خلالها لأصحابه «لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن ، فمن كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه» ، وكان طبيعيا أن يكتب الصحابة كل ما يستطيعون كتابته من القرآن لتلاوته في الصلاة ، ولمعرفة أحكام الدين الذي يؤمنون به ، كما كان يكتب القرآن كذلك أولئك الذين كان يوفدهم النبي إلى القبائل لتعليم أهلها القرآن ، وتفقيههم في الدين ، وهم لم يكونوا يكتبونه آيات متقطعة ، بل سورا متصلة ، يمليها رسول الله ، (صلىاللهعليهوسلم) (٢).
ومنها (عاشرا) أن ما كان يوحي إلى النبي متصلا بوحي سبق إليه
__________________
(١) ابن الاثير : الكامل في التاريخ ٢ / ٨٤ ـ ٨٧ ، ابن الجوزي : تاريخ عمر بن الخطاب ص ١١ ـ ١٢ ، محمد حسين هيكل : حياة محمد ص ١٧٣ ـ ١٧٤
(٢) محمد حسين هيكل : الصديق أبو بكر ص ٣٠٩ ـ ٣١٠