وإذا صدقت وجهة النظر هذه ، فإننا نستطيع أن ندعمها بعدة أدلة ، منها تلك الآيات الكريمة التي جعلتهم خلفاء لقوم نوح (١) ، ومنها ورود قصة هود بعد قصة نوح ، عليهماالسلام ، في كثير من المرات في القرآن الكريم (٢) ، هذا فضلا عن ذكر عاد وثمود ، بين قوم نوح وقوم إبراهيم (٣) ، ومنها قوله تعالى «أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ ، وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ» (٤) ، وقد اتخذ البعض من هذه الآية الكريمة ، والتي قبلها ، دليلا على أن هذه الأقوام ، إنما سبقت عهد موسى ـ أي القرن الثالث عشر ق. م. (٥) على أساس أن الخطاب هنا موجه إلى قوم موسى (٦).
غير أن ابن كثير ، إنما يرى أن الخبر مستأنف من الله لهذه الأمة ـ أي أمة محمد (صلىاللهعليهوسلم) ـ لأن قصة عاد وثمود ليست في التوراة ، فلو كان هذا من قول موسى لقومه وقصصه عليهم ، فلا شك أن تكون هاتان القصتان في التوراة (٧) ، وتوسط البيضاوي بين أن يكون من كلام موسى ، أو كلام مبتدأ من الله (٨) ، أضف إلى ذلك أننا نرى الترتيب يختلف في سورة الشعراء ، إذ تسبق قصة موسى (١٠ ـ ٦٨) قصة إبراهيم (٦٩ ـ ٨٩) ثم تأتي بعد ذلك قصة نوح (١٠٥ ـ ١٢١) فقصة هود (١٢٤ ـ ١٤٠) ثم قصة صالح (١٤١ ـ ١٥٩) فقصة لوط (١٦٠ ـ ١٧٥) ثم قصة شعيب
__________________
(١) سورة الأعراف : آية ٦٩ ، سورة إبراهيم : آية ٩ ، سورة غافر : آية ٣١
(٢) أنظر مثلا سور : هود والأعراف والمؤمنون والشعراء
(٣) سورة التوبة : آية ٧٠
(٤) سورة إبراهيم : آية ٩ ، وانظر سورة غافر : آية ٣١
(٥) راجع عن عصر موسى : كتابنا إسرائيل ص ٢٦٨ ـ ٣٠٣
(٦) تفسير الطبري ١٣ / ١٨٧ (طبعة الحلبي ١٩٥٤)
(٧) تفسير ابن كثير ٤ / ١١١
(٨) تفسير البيضاوي ١ / ٥٢٥ ـ ٥٢٦