الفرع الثاني فيستمر في نفس الإتجاه حتى البتراء ، فغزة فبلاد الشام ومصر (١).
وهكذا كانت مدين تقع على أهم طريق من طرق النقل التجاري ، ومن ثم فقد كانت آفة مدين ، إنما هي آفة كل المدن على مدرجة الطرق ، ومن ثم فقد كانت قصتها في القرآن الكريم ، إنما هي قصة التجارة المحتكرة والعبث بالكيل والميزان ، وبخس الأسعار والتربص بكل منهج من مناهج الطريق ، وهكذا كانت رسالة شعيب عليهالسلام ، رسالة خلاص من شرور الاحتكار والخداع في البيئة التي تعرضت له بحكم موقعها من طرق التجارة والمرافق المتبادلة بين الأمم (٢).
ومن هنا كان التركيز في دعوة النبي الكريم على أن يقيم القوم الوزن بالقسط ولا يخسروا الميزان ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى «وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ، وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ، وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (٣) ، ويقول «كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ ، أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا
__________________
(١) محمود طه أبو العلا : جغرافية شبه جزيرة العرب ـ الجزآن الثالث والرابع ص ١٢٧ ، عبد الرحمن الأنصاري : لمحات عن بعض المدن القديمة في شمال غربي الجزيرة العربية ـ مجلة الدارة ، العدد الأول ، ص ٧٨ ، وكذا A. Amer, The Ancient Trans - Peninsular Routes of Arabia, Le Cairo, ٥٢٩١ PP. ٦٢١ ـ ٠٤١
(٢) عباس محمود العقاد : مطلع النور ص ٩٣ ـ ٩٤ ، تفسير روح المعاني ٨ / ١٧٦ ـ ١٧٧ ، تفسير المنار ٨ / ٥٢٥ ـ ٥٢٦ ، تفسير الطبري ١٢ / ٥٥٤ ـ ٥٥٥
(٣) سورة هود : آية ٨٤ ـ ٨٥