فهناك كان يمر أهم طريق من طرق النقل التجاري ، وكانت تحرس هذه الطرق حاميات من أهل الجنوب من بلاد العرب ، وكان المركز الرئيسي لهذه الحاميات يقع في ديدان (العلا) وفي معون (معان) (١).
ويظهر من التوراة أن المديانيين قد غيروا مواضعهم مرارا بدليل ما يرد فيها من اختلاطهم ببني قدم والعمالقة والكوشيين والإسماعيليين ، ويظهر أنهم استقروا في القرون الأخيرة قبل الميلاد في «Madiana» والتي يرى «موسل» ـ كما أشرنا من قبل ـ أنها تقع في جنوب وادي العربة ، وإلى شرق وجنوب شرق العقبة (٢).
ولعل من المفيد هنا أن نشير إلى أمرين : الواحد يتصل بما جاء في الذكر الحكيم ، من أن الله سبحانه وتعالى قد عاقب الذين كفروا بشعيب عليهالسلام بالرجفة ، «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ» (٣) ، وهذا يعني أن هزة أرضية أو هياج حرة قد أصابهم ، وهو أمر يتفق وطبيعة المنطقة ، لأن أرض مدين إنما هي من مناطق الزلازل والحرار (٤).
وأما الأمر الثاني ، فيتصل بالموقع الإستراتيجي لمنطقة مدين ، ذلك لأنها تقع على الطريق الرئيسي للتجارة بين جنوب بلاد العرب وشمالها ، عبر مكة ويثرب والساحل الشرقي للبحر المتوسط وحول خليج العقبة الى مصر ، ويبدأ هذا الطريق من عدن وقنا في بلاد اليمن ، متجها نحو الشمال إلى مأرب فنجران ، ثم الطائف فمكة والمدينة وخيبر فالعلا ومدائن صالح ، وهنا ينفصل الطريق فيتجه فرع منه إلى تيماء صوب العراق ، وأما
__________________
(١) نفس المرجع السابق ص ٨٣ ـ ٨٤
(٢) تكوين ٢٥ : ٦ ، ٣٧ : ٢٥ ، ٢٨ ، عدد ١٢ : ١ ، حبقوق ٣ : ٧ ، جواد علي ١ / ٤٥٦ ، وكذاA.Musil ,The Northern Hegaz ,P.٧٨٢ ، وفي النسخة العربية ص ٨٤.
(٣) سورة الأعراف : آية ٩١
(٤) جواد علي ١ / ٤٥٢