المستشرقين جميعا بهذه الدقة ، حتى ليقول «سير وليم موير» ، «والأرجح أن العالم كله ليس فيه كتاب غير القرآن ظل أربعة عشر قرنا كاملا بنص هذا مبلغ صفائه ودقته» (١).
ويعلق الاستاذ أبو زهرة على هذا العمل الجليل الذي اشترك فيه الشيخان ـ أبو بكر وعمر ـ وحمل عبأه زيد بن ثابت ، مع جمع من المهاجرين والأنصار ، بحقيقتين هامتين ، تدلان على إجماع الأمة كلها على حماية القرآن الكريم من التحريف والتغيير والتبديل ، وأنه مصون بصيانة الله سبحانه وتعالى له ، ومحفوظ بحفظه ، وإلهام المؤمنين بالقيام عليه وحياطته ، أما أولى الحقيقتين ، فهي أن عمل زيد هذا لم يكن كتابة مبتدأة ، ولكنه إعادة لمكتوب ، فقد كتب القرآن كله في عهد النبي ، (صلىاللهعليهوسلم) وعمل زيد الابتدائي هو البحث عما كتب عليه والتأكد من سلامته ، بشهادة اثنين على الرقعة التي توجد فيها الآية أو الآيتان أو الآيات ، وبحفظ زيد نفسه ، وبالحافظين من الصحابة ـ وقد كانوا الجم الغفير والعدد الكبير ـ فما كان لأحد أن يقول إن زيدا كتب من غير أصل مادي قائم ، بل إنه أخذ من أصل قائم ثابت مادي ، وأما الحقيقة الثانية ، فهي أن عمل زيد لم يكن عملا آحاديا ، بل كان عملا جماعيا من مشيخة صحابة رسول الله ، (صلىاللهعليهوسلم) ، فقد طلب أبو بكر إلى كل من عنده من القرآن شيء مكتوب أن يجيء به إلى زيد ، وإلى كل من يحفظ القرآن أن يدلي إليه بما يحفظه ، واجتمع لزيد من الرقاع والعظام وجريد النخل ورقيق الحجارة ، وكل ما كتب أصحاب رسول الله ، وعند ذلك بدأ زيد يرتبه ويوازنه ويستشهد عليه ، ولا يثبت آية إلا إذا اطمأن إلى اثباتها ، كما أوحيت إلى رسول الله ، واستمر الأمر كذلك ، حتى إذا ما أتمّ زيد ما
__________________
(١) محمد حسين هيكل : المرجع السابق ص ٣٢٣ ، وكذاSir William Muir, The Life of Mohammad and History of Islam, Edinburgh, ٣٢٩١