والقراءة والفرائض في عهد عمر وعثمان وعلي (١).
وبدهي أن عملية جمع القرآن لم يقم بها زيد بن ثابت وحده ، وإنما عاونه فيها الحفظة الكرام من صحابة النبي الاعلام ، وأن زيدا سلك في سبيل الجمع الخطة المثلى ، فما كان ليعتمد على حفظه ـ وإنه لحافظ ـ ولا على حفظ من استعان بهم ـ وانهم لحفاظ أمناء ـ ولكنه كان لا بد أن يعتمد على أمر مادي ، يرى بالحس ولا يحفظ بالقلب وحده ، فكان لا بد أن يرى ما حفظه مكتوبا في عصر النبي ، (صلىاللهعليهوسلم) وأن يشهد شاهدان بأنهما هكذا رأوا ذلك المكتوب في عصر النبي ، وبإملائه عليه الصلاة والسلام ، وقد تتبع القرآن بذلك آية آية ، لا يكتب إلا ما رآه مكتوبا عن النبي ، (صلىاللهعليهوسلم) ، في عهده ، ويشهد شاهدان أنهما رأيا ذلك المكتوب في عهد النبي ونقلاه ، أو يرى ذلك المكتوب عند اثنين ، فهو شهادة كاملة منهما (٢) ، ويروي ابن أبي داود ـ من طريق هشام بن عروة عن أبيه ـ أن أبا بكر قال لعمر وزيد : «أقعدا على باب المسجد ، فمن جاء كما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه» (٣).
وهكذا يمكننا القول أن زيدا اتبع طريقة في الجمع نستطيع أن نقول عنها في غير تردد ، أنها طريقة فذة في تاريخ الصناعة العقلية الإنسانية ، وأنها طريقة التحقيق العلمي المألوف في العصر الحديث ، وأن الصحابي الجليل قد اتبع هذه الطريقة بدقة دونها كل دقة ، وأن هذه الدقة في جمع القرآن ، متصلة بايمان زيد بالله ، فالقرآن كلام الله جل شأنه ، فكل تهاون في أمره أو إغفال للدقة في جمعه وزر ما كان أحرص زيدا ـ في حسن إسلامه وجميل صحبته لرسول الله ـ أن يتنزه عنه ، ولقد شهد المنصفون من
__________________
(١) احمد أمين : فجر الاسلام ص ١٧٥ ، مقدمتان في علوم القرآن ص ٥٠ ـ ٥١
(٢) محمد أبو زهرة : القرآن ص ٣١ ـ ٣٢ ، الاتقان في علوم القرآن ١ / ٦٠
(٣) عبد الصبور شاهين : تاريخ القرآن ص ١٠٦ ، الاتقان ١ / ٦٠