ولعل من الأهمية بمكان هنا الاشارة إلى أن الخليفة الراشد أبا بكر الصديق كان موفقا التوفيق كل التوفيق في مهمته الجليلة ـ والخطيرة كذلك ـ لثقة الناس فيه (١) ، ثم لاختياره للصحابي الجليل «زيد بن ثابت» ، ذلك الاختيار الذي توفرت له كل عوامل النجاح ، لأسباب منها (أولا) أن زيدا كان شابا ، ومن ثم فهو أقدر على العمل من غيره ، وهو لشابه أقل تعصبا لرأيه واعتزازه بعلمه ، وذلك يدعوه إلى الاستماع لكبار الصحابة من القراء والحفاظ ، والتدقيق في الجمع دون إيثار لما حفظه هو ، ومنها (ثانيا) أن زيدا إنما كان من حفاظ القرآن الكريم ، فقد وعاه كله ، ورسول الله حي ، ثم هو (ثالثا) من كتاب الوحي لرسول الله (صلىاللهعليهوسلم) وهو فوق ذلك ، كان معروفا بشدة ورعه ، وعظم أمانته ، وكمال خلقه ، واستقامة دينه ، فضلا عن نبوغ وذكاء ، ولعل كل ذلك ، ما كان يعنيه الصديق من قوله : «إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك ، كنت تكتب الوحي لرسول الله ، (صلىاللهعليهوسلم) ، فتتبع القرآن فأجمعه» (٢) ، ومنها (رابعا) أنه من المتواتر أن زيدا إنما حضر العرضة الاخيرة للقرآن ، حين عرضه رسول الله على جبريل للمرة الثانية ، في السنة التي كانت فيها وفاته ، (٣) ، ومنها (خامسا) أن زيد بن ثابت ـ وإن كان في حداثة من السن في جانب أكابر الصحابة ـ فقد كان من أكابرهم في الفقه والرأي ، وكانت الرئاسة له بالمدينة في القضاء والفتيا ،
__________________
(١) T.Noeldeke ,po - cit ,P.٥٠٢
(٢) الاتقان ١ / ٥٩ البرهان ص ٢٣٣ ، تفسير القرطبي ١ / ٥٠ ، فضائل القرآن ص ١٤ ، تاريخ القرآن للزنجاني ص ١٧ ، مقدمتان في علوم القرآن ١٨ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٥١ ، ٥٢ ، وأنظر لوبلوا حيث يقول ـ بعد أن أورد هذه الرواية ـ «من ذا الذي لم يتمن لو أن أحدا من تلاميذ عيسى الذين عاصروه قام بتدوين تعاليمه بعد وفاته مباشرة» ـ (Leblois, le Koran et la Bible Hebraique, Paris, ٧٨٨١, P. ٧٤)
(٣) تفسير القرطبي ١ / ٥٣ ، محمد أبو زهرة : القرآن ص ٢٨ ، عبد الصبور شاهين : تاريخ القرآن ص ١٠٧ ، محمد حسين هيكل : الصديق أبو بكر ص ٣٢١