فيذهب من القرآن كثير ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن» ، ويتردد الصديق بعض الوقت ، خشية إن يفعل ما لم يفعله رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) ثم ما يلبث أن يشرح الله صدره لهذا العمل الجليل ، فيأمر باستدعاء زيد بن ثابت ، حيث يكلفه بجمع القرآن ، ويتردد زيد ـ كما تردد الصديق من قبل ـ لأنه لا يريد كصحابي أن يقوم بعمل ما لم يقم به النبي أو يأمر به ، ولأنه كمؤمن يتحاشى مثل هذا العمل الخطير خشية أبسط الأخطاء وأتفهها في تنفيذ مهمته ، وأخيرا يشرح الله صدره لذلك ، ويتم الأمر بما كان محفوظا في صدور الرجال ، وبما كان يكتب بين يدي رسول الله ـ (صلىاللهعليهوسلم) ويحفظ المصحف الشريف عند الصديق ، ثم عند الفاروق عمر (١٣ ـ ٢٣ ه ـ ٦٣٤ ـ ٦٤٤ م) من بعده ، ثم عند أم المؤمنين «حفصة بنت عمر» ـ رضياللهعنهم أجمعين (١).
ولعل هدف الفاروق ـ رضياللهعنه وأرضاه ـ من هذه الطريقة لم يقتصر على حفظ المدون من التنزيل في مأمن من الأخطار ، وفي صورة يسهل الرجوع اليها ، وإنما كان يقصد ايضا إقرار الشكل النهائي لكتاب الله الكريم وتوثيقه عن طريق حفظته الباقين على قيد الحياة ، واعتماده من الصحابة الذين كان كل منهم يحفظ منه أجزاء كبيرة أو صغيرة (٢).
__________________
(١) الاتقان ١ / ٥٩ ـ ٦٠ ، ابن الاثير ٣ / ١١٢ ، تفسير الطبري ١ / ٥٩ ـ ٦٢ ، كتاب المصاحف ص ٥ ـ ١٠ ، ٢٠ ، فضائل القرآن ص ١٤ ـ ١٦ ، مقدمتان في علوم القرآن ص ١٧ ـ ٢١ وكذا البرهان في علوم القرآن ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، ٢٣٩ ، تفسير القرطبي ١ / ٤٩ ـ ٥٠ ، محمد حسين هيكل : حياة محمد ص ٥٠ ـ ٥١ ، الصديق أبو بكر ص ٣٠٣ ـ ٣١٢ ، محمد أبو زهرة القرآن ص ٣٠ ـ ٣١ ، عبد المنعم ماجد : المرجع السابق ص ٢٥١ ـ ٢٥٢ وكذاEI ,٤١ ,PP.١٦٢١ ـ ٢
(٢) محمد عبد الله دراز : مدخل الى القرآن الكريم ص ٣٦ ، وانظر : م. ج رستوفدوني : تاريخ القرآن والمصاحف ص ٢٦ ـ ٢٧ (مترجم).