فتلك أساطير لا تدور إلا في رءوس أصحابها ، ومن ثم فهي لا تعرف نصيبا من صواب ، كما أن «كيتاني» قد جانبه الصواب كذلك ، حين ذهب إلى أن خراب سد مأرب ، إنما كان بسبب الجفاف الذي أثر على السد ، بل إن ضغط الماء على جوانب السد ، ثم حدوث سيل العرم ، إنما هو في حد ذاته لدليل على فساد نظرية الجفاف هذه (١) ، فضلا عن معارضتها الصريحة لما جاء في القرآن الكريم عن حادث السيل هذا (٢).
ولعل أهم الأسباب التي أدت إلى تصدع السد ، ثم حدوث السيل ، إنما هو ضعف الحكومات ، ثم تحول الطرق التجارية ، فضعف الحكومات في اليمن أدى إلى تزعم سادات القبائل والرؤساء ، وانشقاق الزعامة في البلاد ، وزاد الطين بلة أن تلك القلاقل الداخلية ، قد صاحبها تدخل الحبشة ثم الفرس في شئون البلاد الداخلية ، وكان نتيجة ذلك كله ، اضطراب الأمن في اليمن ، وظهور ثورات وفتن داخلية ، كما تدلنا على ذلك النقوش منذ القرن الرابع الميلادي ، وإن ظهوره بوضوح إبان القرن السادس الميلادي ، فألهى ذلك الحكومة عن القيام بواجباتها ، مما أدى إلى إهمال السد ، ومن ثم فقد تصدعت جوانبه ، فكان السيل الذي أغرق مناطق واسعة من الأرض الخصبة ، التي كان القوم يعتمدون عليها في حياتهم الاقتصادية (٣).
أضف إلى ذلك كله ، أن اليمن لم تصبح في تلك الفترة صاحبة السيادة على الطرق التجارية ، كما أنها لم تعد الوسيط الوحيد في نقل التجارة إلى
__________________
(١) جواد علي ١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٦ ، وكذا انظر L. Caetani, Studi, Della Historia Orientale, I, P. P. ٤٦, ٥٨١, ٨٨١, ٢٩١, ٧٦٢, ٦٩٢ وكذاAlois Musil ,Northern Nejd ,P.P.٩٠٣ ـ ٠١
(٢) سورة سبأ : آية ١٥ ـ ١٩
(٣) جواد علي ١ / ٢٤٦ وكذا انظر Corpus Inscriptionum Semiticarum, ١١٩١, Part, ٤, Vol, ٢, Nos, ٤٨٣, ٠٤٥ ـ ١٤