أضف إلى ذلك أن ترنيمة يوحنا ، إنما تحدد عدد القتلى بما يقارب المائتين ، وهو رقم مقبول ، وربما قد يدل على صحة هذه الترنيمة ، وعلى معاصرتها للحادث الخطير (١).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن القرآن الكريم لم يتحدث عن هذا الذي خدّ الأخدود ، ولا على عدد القتلى ، والأمر كذلك بالنسبة إلى مكان هذا الحادث ، ومن ثم فقد كان الخلاف البين بين الباحثين في كل هذه الأمور ، فذهب بعضهم إلى أن الحادث إنما كان بنجران في الفترة ما بين المسيح ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما ، وذهب فريق آخر إلى أنه إنما كان باليمن (دون تحديد مكان معين) ، وقبل مبعث المصطفى ، (صلىاللهعليهوسلم) ، بأربعين عاما ، بينما ذهب فريق ثالث إلى أن هناك أخاديد ، وليس أخدودا واحدا ، فهناك أخدود في اليمن على أيام «تبع» وآخر في القسطنطينية على أيام قسطنطين ، حين صرف الناس من أتباع عيسى قبلتهم عن دين المسيح والتوحيد ، واتخذ أتونا وألقى فيه النصارى الذين كانوا على دين المسيح والتوحيد ، ثم هناك أخدود ثالث في العراق على أيام بخت نصر (نبوخذ نصر ٦٠٥ ـ ٥٦٢ ق. م.) ، حين صنع صنما وأمر الناس بالسجود له ، ففعلوا ، إلا دانيال وعزريا ومشايل ، فألقي بهم في أتون من نار ، إلا أن الله سبحانه وتعالى جعلها عليهم بردا وسلاما ، ثم ألقى بأعدائهم فيه فاكلتهم النار (٢).
ولست أدري من أين جاء أصحابنا الأخباريون برواياتهم هذه ، وتاريخ المسيحية لا يتحدث عن اضطهاد للنصارى على أيام الامبراطور قسطنطين (٣٠٦ ـ ٣٣٧ م) ، بل إن العكس هو الصحيح تماما ،
__________________
(١) R.Bell ,op - cit ,P.٨٣
(٢) ابن كثير : البداية والنهاية ٢ / ١٣١ ـ ١٣٢ ، تفسير القرطبي ١٩ / ٢٩٠