المصادر التي اعتمدوا عليها ، ومن ثم رأينا ارقاما تتفاوت فيما بين ٧٠ ، ٨٠ ، ٨٧ ، ١٢ ، ألف ، ٢٠ ألف ، ٧٠ ألف ، والفرق جدّ شاسع بين أقل هذه الأرقام وأكبرها ، ومن ثم فإننا لا نستطيع أن نقول أي الأرقام هو الصحيح ، أو حتى أيها هو الأقرب إلى الصحيح.
وأخيرا فإن الذي يفهم من النص القرآني الكريم أن الذي قتل أصحاب الأخدود ، إنما كان مشركا (١) ، بدليل قوله تعالى «وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» ، ومن ثم فإن الذي دعا نصارى نجران ، إنما دعاهم إلى الوثنية ، لا إلى اليهودية ، لأن اليهودية والنصرانية ديانتان سماويتان ، لا مجال لتفضيل إحداها على الأخرى ، وإذا بدا أن اليهود كانوا أشد عداء للرسول ، (صلىاللهعليهوسلم) ، وللإسلام ، وأن النصارى أقرب مودة ، طبقا لقوله تعالى «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» (٢) ، فذلك يقتضي أن يفضل النصارى على اليهود ، ولا يقتضي تفضيل اليهودية على النصرانية ، أو النصرانية على اليهودية (٣) ، ومن ثم فإن ذا نواس ، إما أن يكون قد دعا نصارى نجران إلى الوثنية ، وبالتالي فهو لم يكن يهوديا ، وإنما كان وثنيا ، أو أنه لا صلة له من قريب أو بعيد ، بقصة الأخدود التي جاء ذكرها في القرآن الكريم.
بقي أن نشير إلى أن الروايات العربية إنما تذهب إلى أن ذا نواس ، إنما
__________________
(١) تفسير ابن كثير ٤ / ٥٤٨ ، تفسير القرطبي ٣٠ / ١٣٤ ، ياقوت ٥ / ٢٦٨
(٢) سورة المائدة : آية ٨٢ وانظر : تفسير الجواهر ٣ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، تفسير الطبرسي ٦ / ١٧١ ـ ١٧٦ ، تفسير الطبري ١٠ / ٤٩٨ ـ ٥٠٦ ، تفسير الكشاف ١ / ٦٦٨ ـ ٦٦٩ ، تفسير النسفي ٢ / ٣ ـ ٤ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٢٣ ، في ظلال القرآن ٧ / ٩٥٩ ـ ٩٦٦
(٣) عمر فروخ : المرجع السابق ص ٧٤ ، وانظر كذلك : ياقوت ٥ / ٢٦٨