ذلك لأن القرآن الكريم كان كله مسجلا في صحف ـ وإن كانت مفرقة ـ وفي صدور الصحابة ، قبل أن ينتقل الرسول (صلىاللهعليهوسلم) إلى الرفيق الأعلى ، وأنه قد جمع في مصحف واحد على أيام الصديق ، وأن هذا المصحف قد أودع عنده ، ثم عند الفاروق من بعده ، ثم عند حفصة أم المؤمنين (١) ، وفي عهد عثمان ـ رضياللهعنهم أجمعين ـ نسخت منه عدة نسخ أرسلت إلى الآفاق الإسلامية ، بمشورة من حضره من صحابة رسول الله ، (صلىاللهعليهوسلم) ، وأن الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ قد ارتضى هذا العمل الجليل وحمد أثره (٢) ، ومعنى هذا ببساطة أن المصحف الذي كتب على أيام أبي بكر ـ هو نفس المصحف الذي كتب على أيام الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهو نفسه الذي كتب على أيام عثمان (٣) ، وبالتالي فإن كل قراءة قرآنية يجب أن تكون متفقة مع نصه ، وأن الشك فيه كفر ، وأن الزيادة عليه لا تجوز ، وأنه القرآن المتواتر الخالد إلى يوم القيامة (٤).
__________________
(١) فضائل القرآن ص ١٥ ، كتاب المصاحف ص ٥ ، مقدمتان في علوم القرآن ص ٢٣ ، البرهان ١ / ٥٩
(٢) هناك رواية تنسب فضل السبق في جمع القرآن إلى الإمام علي كرم الله وجهه ، إذ يروي أشعث عن ابن سيرين أنه لما توفي الرسول (صلىاللهعليهوسلم) ، أقسم على ألا يرتدي برداء إلا لجمعة ، حتى يجمع القرآن في مصحف ، ففعل ، فأرسل أبو بكر إليه بعد أيام : أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ قال : لا والله ، إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة ، فبايعه ثم رجع ، ويقول السجستاني : أن أحدا لم يذكر كلمة مصحف إلا أشعث ، وهو لين الحديث ، وإنما رووا حتى أجمع القرآن ، يعني أتم حفظه ، فإنه يقال للذي يحفظ القرآن ، قد جمع القرآن (انظر : كتاب المصاحف ص ١٠ ، الاتقان ١ / ٥٩ ، تاريخ القرآن ص ١٠٤ ـ ١٠٥) والأمر كذلك بالنسبة الى جمع عمر بن الخطاب (كتاب المصاحف ص ١٠ ـ ١١) إلا إذا كان المراد أول من أشار بجمعه (الاتقان ١ / ٥٨)
(٣) للمقارنة بين تدوين القرآن الكريم وغيره من الكتب المقدسة ، أنظر عن التوراة (كتابنا إسرائيل ص ٢٤ ـ ٤٥) وعن الانجيل (المدخل الى الكتاب المقدس ، احمد شلبي : المسيحية ص ١٥٣ ـ ١٦٠)
(٤) محمد أبو زهرة : القرآن ص ٤٣ ، تفسير القرطبي ١ / ٨٠ ـ ٨٦ ، فتاوى ابن تيمية ١٣ / ٤٢٠ ـ ٤٢١ ، محمد حسين هيكل : حياة محمد ص ٥١ ـ ٥٥ ، وكذاW.Muir ,op - cit ,P.XIV - XIXX