على أن هناك ، من ناحية أخرى ، بعض الروايات التاريخية التي تشير إلى أن الحميريين قد قاموا بحملات عسكرية في وادي النيل الأوسط ، وشمال إفريقية (١) ، وقد أشار «كوسان دي برسيفال» إلى حملة قادها «أبو مالك بن شمر يرعش» إلى معادن الزمرد في أرض البجة ، ومن المحتمل أن يكون الرجل قد لقي حتفه هو ومعظم جيشه حوالي منتصف القرن الأول الميلادي (٢).
وفي عهد دولة أكسوم يتغير ميزان القوى إلى جانب الأثيوبيين ، وضد العرب الجنوبيين ، بخاصة بعد اعتناق الملك «عيزانا» (أزانا) ـ والذي اعتلى العرش حوالي عام ٣٢٥ م ـ النصرانية ، وأيا ما كان السبب في اعتناق «عيزانا» النصرانية ، وسواء أكان ذلك عن اقتناع بالدين الجديد ، أو لمزيد من التقرب الى بيزنطة ، حامية المسيحية الكبرى في الشرق ، فإن اليمن قد وضعت بين قوتين مسيحيتين ، الحبشة من جهة ، والروم من جهة أخرى (٣).
وزاد تنصر أثيوبيا من حدة منافستها لليمن غير المسيحية ، وبدأت في تنفيذ خطتها القديمة لاحتلال اليمن ، تلك الخطة التي بدأت منذ حوالي القرن الأول قبل الميلاد ، كما نعرف ذلك من النقوش العربية القديمة ، مثل نقش (جام ٦٣١) بل إن نقش (جام ٦٣٥) ليحدثنا عن معارك دارت رحاها خلف مدينة «نجران» ، بين جيش «سقر أوتر» (٦٥ ـ ٥٥ ق. م.) وبين الأحباش ، وربما كان ذلك يشير إلى أن «نجران» إنما كانت في أيدي الأحباش في تلك الأونة (٤) ، ونقرأ في نقوش (جام ٥٧٤ ،
__________________
(١) مصطفى مسعد : المرجع السابق ص ١٠٨
(٢) Causin de Perseval ,op - cit ,P.٢٨
(٣) موسكاتي : المرجع السابق ص ٢١٥ ، حسن ظاظا المرجع السابق ص ١٩٦ ـ ١٩٧
(٤) A.Jamme ,op - cit ,P.P.٢٣١ ,٥٣١ ـ ٦ ,٣٠٣ ,٠٩٣