عليه في حياتهم ، يدعوهم إلى التوحيد (١) وإلى تهذيب النفوس ، وإلى وضع مبادئ للأخلاق (٢) ، وميزان للعدالة في الحكم (٣) ، واستنباط لبعض الأحكام (٤) ، فإذا ما عرض لحادثة تاريخية ، فإنما للعبرة والعظة (٥).
وفي الواقع إن في القرآن الكريم لقصصا شتى من غير قصص الدعوة ، أو قصص الجهاد في تبليغ الرسالة ، ولكنها تراد كذلك لعبرتها ، ولا تراد لأخبارها التاريخية ، ومنها قصة يوسف ، وقصة إسماعيل عليهماالسلام ، فقصة يوسف قصة إنسان قد تمرس منذ طفولته بآفات الطبائع البشرية ، من حسد الأخوة ، إلى غواية المرأة ، إلى ظلم السجن ، إلى تكاليف الولاية وتدبير المصالح في إبان الشدة والمجاعة ، وقصة إسماعيل تتخللها هذه التجارب الإنسانية من عهد الطفولة كذلك ، فيصاب بالغربة المنقطعة عن العشيرة وعن الزاد والماء ، وإن كان الأخطر من ذلك كله أن تكتب عليه التجارب الإنسانية ضريبة الفداء ، وهي في مفترق الطرق بين الهمجية التي كانت ـ في معظم مجتمعات الشرق القديم ـ لا تتورع عن الذبائح البشرية ، وبين الإنسانية المهذبة التي لا تأبى الفداء بالحياة ، ولكنها تتورع عن ذبح الإنسان ، ثم يكتب لهذا الغلام الوحيد بواد غير ذي زرع عند البيت المحرم ، أن تنتمي إليه أمة ذات شعوب وقبائل تتحول على يديها تواريخ العالم على مدى الأيام (٦).
__________________
(١) انظر مثلا في قصة نوح (سورة نوح آية ٢ ـ ٢٠) وفي قصة يوسف (يوسف : آية ٣٧ ـ ٤٠) وفي قصة عيسى (النساء : آية ١٧١ ـ ١٧٢ ، آل عمران : آية ٥٩ ، المائدة : آية ٧١ ، ٧٦)
(٢) أنظر مثلا (البقرة : آية ٤٤ ، الاعراف : آية ٨٥ ـ ٨٧ ، هود : آية ٨٤ ـ ٨٨)
(٣) أنظر مثلا في قصة داود (ص : آية ٢١ ـ ٢٦)
(٤) أنظر مثلا في قصة هابيل وقابيل (المائدة : آية ٢٧ ـ ٣٢ ، ٤٢ ـ ٥٠ ، البقرة : آية ١٧٨ ـ ١٧٩)
(٥) راجع عن أهداف القرآن ومقاصده : تفسير المنار ١ / ٢٠٦ ـ ٢٩٣
(٦) عباس العقاد : الإسلام دعوة عالمية ص ٢١٨ ـ ٢١٩