وهكذا فإن نجاح المشروع سوف يحقق للأحباش والروم أهدافهم في بلاد العرب ، يحقق للأحباش أهدافهم الدينية بالقضاء على المركز الديني العربي الأساسي وتحويلهم نحو القليس ـ مكرهين أو راغبين ـ ويحقق لهم أهدافهم الاقتصادية عن طريق سيطرتهم على الطريق التجاري البري بين جنوب بلاد العرب وشمالها ، فضلا عن الفوائد الاقتصادية التي يجنيها الأحباش من تحويل الحجيج من مكة إلى صنعاء ، ويحقق للروم أهدافهم عن طريق بسط نفوذهم على بلاد العرب ، والقضاء على النفوذ الفارسي فيها ، بل وتقديم المساعدة لهم في الوقت المناسب في الصراع القائم بينهم وبين الساسانيين ، بل إن «بركوبيوس» ليرى أن «ايراموس» (أبرهة) عند ما بسط نفوذه في العربية الجنوبية ، وأمّن ملكه ، وعد الإمبراطور «جستينان» ان يغزو الفرس ، وأنه قد بدأ مشروعه هذا بالفعل ، إلا أنه سرعان ما تردد في تنفيذه بعد ذلك.
ولعل أهم الشواهد التي تؤيد أهداف الحملة السياسية والاقتصادية ما يرويه المؤرخون المسلمون أنفسهم من أن أبرهة قد كتب للنجاشي بعد بناء القليس ـ وقبل تدنيسها ـ بأنه ليس منته حتى يصرف إليها حج العرب (١) ومنها كذلك (ثانيا) حملة أبرهة على «معد» وفرض نفوذه عليها (٢) ، وهناك من يذهب الى أن هذه خطة كان المراد منها إقامة قيس على معد ، ثم تكوين جيش من هؤلاء وأولئك لغزو فارس ، ولم يكن أبرهة ذلك الرجل الذي يزهد في مثل هذه الفرصة ، لمد نفوذه على بلاد العرب (٣).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٢ / ١٣٠ ، تفسير الطبري (٣٠ / ١٩٣ ، تفسير القرطبي ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ (طبعة دار الكتب) ، ص ٧٢٧٧ (طبعة الشعب) ، تفسير ابن كثير ٨ / ٥٠٤ (طبعة الشعب) ، البداية والنهاية ١ / ١٧٠ ، ابن هشام ١ / ٤٣.
(٢) جواد علي ٣ / ٤٩٤ ـ ٤٩٦ ، Le Museon, ٣ ـ ٤, P. P. ٧٧٢ ـ ٩٧, ٦٩٤ ـ ٤٩٤ / ٣, ٣٥٩. ٣ ـ ٤, p. p. ٧٧٢ ـ ٩٧
(٣).Procopius ,I ,XX ,٩ ـ ٢١ P.٣٩١.