وتستمر الرواية بعد ذلك ، فتذهب إلى أن الرسول إنما أخذ معه عبد المطلب إلى أبرهة ، وكان عبد المطلب رجلا عظيما مهيبا وسيما ، فنزل أبرهة عن سريره وأجلسه معه ، وسأله عن طلبه ، فقال عبد المطلب : الإبل التي ساقها جندك ، وهنا يذهب الرواة إلى أن أمر عبد المطلب قد هان في نظر أبرهة ، وقال له : «أتسأل عن البعير ، وتترك البيت الذي هو دين آبائك ، ودينك من بعدهم» ، فقال عبد المطلب : «أنا رب الإبل ، وللبيت رب يحميه» ، وهنا أمر أبرهة برد إبل عبد المطلب دون غيرها (١) ، فأخذها عبد المطلب وقلدها النعال ، وساقها هديا إلى الحرم ، وهناك وقف على باب الكعبة يقول :
[يا رب لا أرجو لهم سواكا |
|
يا رب فامنع منهم حماكا] |
[إن عدو البيت من عاداكا |
|
فامنعهم أن يخربوا قراكا] |
[لا هم إن العبد يمنع رحله |
|
فامنع حلالك] لا يغلبن صليبهم |
ومحالهم غدرا محالك] |
|
[وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك] (٢) |
ويعلق الاستاذ العقاد ـ طيب الله ثراه ـ على موقف عبد المطلب هذا ، بأنه كان موقفا حكيما ، يتفق وما عرف عن صفات هذا السيد العظيم ، لا تهور مع القوة الطاغية ، ولكن لا خضوع لها ، بل وضع لها في موضعها ،
__________________
(١) هناك رواية تذهب إل أن عبد المطلب صحب معه نفاثة بن عدي سيد بكر ، وخويلد بن واثلة سيد هذيل ، فعرضا على أبرهة ثلث أموال تهامه على أن يرجع ولا يهدم البيت ، فرفض (أنظر : الازرقي ١ / ١٤٥ ، روح المعاني ٣٠ / ٢٣٥ ، تفسير الطبري (٣٠ / ٣٠٢)
(٢) تاريخ الطبري ٢ / ١٣٣ ـ ١٣٦ ، تفسير الطبري ٣٠ / ٣٠٠ ـ ٣٠٢ ، الازرقي ١ / ١٤٣ ـ ١٤٥ ، ابن الأثير ١ / ٤٤٤ ، تفسير الفخر الرازي ٣٢ / ٩٦ ، تفسير روح المعاني ٣٠ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ، في ظلال القرآن ٨ / ٦٦٥ ـ ٦٦٦ ، مروج الذهب ٢ / ١٠٤ ـ ١٠٦ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ،؟؟؟؟ دلائل النبوة ١ / ٥٨ ـ ٥٩ ، ابن هشام ١ / ٤٨ ـ ٥٢ ، ابن سعد ١ / ٥٥ ـ ٥٦ ، تفسير ابن كثير ٨ / ٥٠٤ ـ ٥٠٦ ، حياة محمد ص ١٠١ ـ ١٠٢ ، تفسير القرطبي ص ٧٢٧٩ ـ ٧٢٨٢ (طبعة الشعب) ، العقاد : مطلع النور ص ١٢١ ـ ١٢٢ ، عبد المجيد عابدين المرجع السابق ص ٦٤ ـ ٦٥ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٦٢.