وقول يناسب كل مقام ، فإذا خامر الظن أحدا لا يفهم معنى هذه الأنفة التي تأنف من التهور ، لما تأنف من الجبن ، فهناك الجواب الفعال الذي يغني ما ليس يغنيه المقال : ما سألت عن الإبل لأنني اضن بأثمانها ، فإنني قد وهبتها بعد ذلك للبيت ، ولكني سألت عنها لأنها موضع سؤالي ، وتركت السؤال عن البيت لأن استجداء الرحمة من أبرهة لبيت الله ينفي الثقة بالبيت وبالله (١) ، فضلا عن أن أبرهة ما كان ليرجع عن عزمه ، إن سأله عبد المطلب أن يكف عن البيت ، وهو الذي أعد كل ذلك من أجل أن يهدم هذا البيت ، ومن ثم فإن طلب عبد المطلب من أبرهة الرحمة بالبيت ، طلب لا موضع له ، في هذه الظروف ، وإزاء كل هذه التجهيزات العسكرية.
وهنا تروي المصادر العربية أن عبد المطلب قد انطلق ومن معه من قريش إلى شعاب الجبال ، فتحرزوا فيها ينتظرون ما يفعل أبرهة بمكة إذا دخلها ، غير أن هناك رواية أخرى ـ نرجحها ونميل إلى الأخذ بها ـ تذهب إلى أن عبد المطلب ، بعد أن لم يفلح في تعبئة قريش لقتال الأحباش ، لم يفارق الكعبة حين تفرقت قريش في شعاب مكة وجبالها خوفا من الغزاة ، وإنما أخذ يستعد لمقاومة الغزو بمن أطاعه من قومه ، وهو مع ذلك كان دائم الدعاء لربه ، ليرد كيد المغير عن بيته الحرام ، ومن ثم فإن المرض حين تفشى في جيش أبرهة وارتد عن مكة ، علت مكانة عبد المطلب فوق علوها (٢). ولعل مما يرجح مقاومة عبد المطلب أن العرب حين سمعت بحملة أبرهة على الكعبة ، رأوا جهاده حقا عليهم ، ومن ثم فقد خرج رجل من أشراف اليمن دعوه «ذو نفر» ، فدعا قومه ومن أجابه من سائر
__________________
(١) عباس العقاد : مطلع النور ص ١٢٢.
(٢) ابن هشام (١ / ٤٩ ـ ٥٠ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، دلائل النبوة ١٥ / ٥٧ ، المعارف ص ٣١٢ ، الازرقي ١ / ١٤٥ ، احمد إبراهيم الشريف : المرجع السابق ص ١٣٨.