وأخيرا (ثامنا) فإن محمدا (صلىاللهعليهوسلم) ، لم يكن له معلم من قومه الأميين قط ، بل لم يكن له ـ عليه الصلاة والسلام ـ معلم من غيرهم من أمم الأرض قاطبة ، وحسب الباحث في ذلك أن نحيله على التاريخ ، وندعه يقلب صفحات القديم منه والحديث ، والإسلامي منه والعالمي ، ثم نسأله : هل قرأ فيه سطرا واحدا يقول : إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، لقي قبل إعلان نبوته فلانا من العلماء ، فجلس إليه يستمع من حديثه عن علوم الدين ، ومن قصصه عن الأولين والآخرين (١).
وأما الذين لقوه بعد النبوة ، فقد سمع منهم وسمعوا منه ، ولكنهم كانوا له سائلين ، وعنه آخذين ، وكان هو لهم معلما وواعظا ، ومنذرا ومبشرا (٢).
على أنه يجب أن نلاحظ أن قصص التوراة إن كانت تحمل أوجه شبه بالقصص القرآني ، فربما يرجع ذلك إلى أن التوراة ـ في الأصل ـ كتاب مقدس ، وأن الإسلام الحنيف ، إنما يؤمن بموسى ـ كنبي وكرسول وككليم لله عزوجل ـ ثم يقرر بعد ذلك ـ دونما لبس أو غموض ـ أن موسى جاءته صحف وأنزلت عليه توراة ، إلا أن توراة موسى هذه ، سرعان ما امتدت إليها أيد أثيمة ، فحرفت وبدلت ، ثم كتبت سواها ، بما يتلاءم مع يهود ، ويتواءم مع مخططاتهم ، ثم زعموا ـ بعد كل هذا ـ أنها هي التوراة التي أنزلها الله على موسى (٣) ، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً» (٤).
والذي تولى هذا التصحيف والتأويل والتعمية ، إنما هي طائفة
__________________
(١) محمد عبد الله دراز : النبأ العظيم ص ٥٦ ـ ٥٧
(٢) نفس المرجع السابق ص ٥٧
(٣) راجع كتابنا إسرائيل ص ٢١ ـ ٢٣
(٤) سورة الكهف : آية ٥