إن النبي صلى الله عليه وآله لمّا أُسرِي به إلى ربه قال : وقف بي جبرئيل عند شجرة عظيمة لم أر مثلها ؛ على كلِّ غصن منها ملك ، وعلى كلِّ ورقة منها ملك ، وعلى كلِّ ثمرة منها ملك ، وقد تجلَّلها نور من نور الله عز وجل.
فقال جبرئيل : هذه سدرة المنتهى ، كان ينتهي الأنبياء قبلك إليها ثم لم يتجاوزها ، وأنت تجوزها إن شاء الله ليُريكمن آياته الكبرى. فاطمئنَّ ـ أيَّدك بالثبات ـ حتى تستكمل كرامات الله وتصير إلى جواره.
ثم صعد بي إلى تحت العرش ، فدُلي إليَّ رفرف أخضر ما أحسن أصفه. فرفعني الرفرف بإذن الله إلى ربي فصِرتُ عنده ، وانقطع عنِّي أصوات الملائكة ودويُّهم ، وذهبَت المخاوف والرَوعات وهدأت نفسي ، واستبشرت وجعلت أمتدَّ وأنقبض ، ووقع عليَّ السرور والإستبشار.
وكان توفيقاً من ربي أن غمضت عيني ، فكلَّ بصري وغشي عن النظر ؛ فجعلت أبصر بقلبي كما أبصر بعيني بل أبعد وأبلغ. فذلك قوله : (ما زاغَ البصر وما طَغَى * لقد رأى مِن آيات ربه الكبرى). وإنما كنت أبصر مثل خيط الإبرة نوراً بيني وبين ربي ، ونور ربي لا تطيقه الأبصار.
فناداني ربي ؛ فقال تعالى : يا محمد.
قلت : لبيَّيك ربي وسيدي وإلهي ، لبَّي.
قال : هل عرفت قدرك عندي وموضعك ومنزلتك؟
قلت : نعم يا سيدي.
قال : يا محمد ، هل عرفت موقعك منِّي وموقع ذرِّيتك؟
قلت : نعم ، يا سيدي.
قال : فهل تعلم ـ يا محمد ـ فيمَ اختصم الملؤ الأعلى؟
قلت : أنت أعلم سيدي وأحكم ، وأنت علّام الغُيوب.
قال : اختصموا في الدرجات والحسنات ، فهل تدري ما الدرجات والحسنات؟
قلت : أنت أعلم سيدي وأحكم.