قال : ويقال قعّدت الرجلَ وأقعدته ، أي خدمته ، فأنا مُقْعِدٌ له ومقعّد له. وأنشد :
تَخِذها سُرِّيّةً تقعِّده
أي تخدمه. وقال الآخر :
وليس لي مُقعِدٌ في البيت يُقْعدني |
ولا سَوامٌ ولا مِن فضّةٍ كيسُ |
وأما قول الله عزوجل : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) [ق : ١٧] فإن النحويين قالوا : معناه عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد ، فاكتفى بذكر الواحد عن صاحبه ، كما قال الشاعر :
نحن بما عندنا وأنت بما |
عندك راضٍ والرأي مختلفُ |
أراد : نحن بما عندنا راضون ، وأنت بما عندك راضٍ. وقال الفرزدق :
إنّي ضمنت لمن أتاني ما جنى |
وأبى وكان وكنت غير غَدُورِ |
ولم يقل غدورين.
سلمة عن الفراء : تقول العرب : قعد فلانٌ يشتُمني وقام يشتُمني ، بمعنى طفِق. وأنشد لبعض بني عامر :
لا يُقنِع الجاريةَ الخِضابُ |
لا الوشاحانِ ولا الجلبابُ |
|
من دون أن تلتقي الأركابُ |
يَقعُدَ الأير له لعابُ |
كقولك يصير.
وقول الله جلّ وعزّ (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) [البَقَرَة : ١٢٧] القواعد : الآساس ، واحدتها قاعدة.
وقال أبو عبيد : قواعد السَّحاب : أصولُها المعترِضة في آفاق السَّماء ، شبِّهت بقواعد البِناء ، قاله في تفسير حديث النبي صلىاللهعليهوسلم حين سأل عن سحابةٍ : «كيف ترون قواعدها وبواسقَها؟». فالقواعد : أسافلها. والبواسق : أعاليها.
ومن أمثال العرب السائرة : «إذا قام بك الشَّرُّ فاقعُدْ» يفسَّر على وجهين : أحدهما أنّ الشرَّ إذا غلبَك فذِلّ له ولا تضطربْ فيه. والوجه الثاني أنَّ معناه إذا انتصبَ لك الشرُّ ولم تجدْ منه بدّاً فانتصبْ وجاهدْه. وهذا يُروَى عن الفراء.
أبو عبيد عن أبي عُبيدة قال : القعيد : الذي يجيء مِن ورائك من الظباء التي يُتطيَّر منها. قال : ومنه قول عَبِيد بن الأبرص :
تَيسٌ قعيدٌ كالوشيجة أعضبُ
ذكره في باب السانح والبارح.
ومن دُعاء الأعراب على الرجل بالشرّ يقول أحدُهم للرجل : «حلبت قاعداً وشربتَ قائماً» ، يقول : لا ملكتَ غير الشاء التي تُحلب مِن قُعود ، ولا ملكت إبلاً تحلبها قائماً. والشاءُ مال الضَّعْفَى والذُّلّان ، والإبل مال الأشراف والأقوياء.
أبو عبيد عن الأصمعيّ : إذا صارت الفسيلة لها جِذع قيل قد قَعَدت ، وفي أرض فلانٌ من القاعِدِ كذا وكذا أصلاً.
وقال : فلانٌ مُقْعَد الحسب ، إذا لم يكن شرفٌ. وقد أقعَدَه آباؤه وتقعَّدوه. ومنه قول الطرِماح يهجو رجلاً :