والتكثير الذي لا يحصَّل.
وأنا مبتدىءٌ الآن في ذكر الحروف التي هي أصلُ كلام العرب ، وتقديم الأولى منها بالتقديم أوّلاً فأوّلاً ، وتبيين مدارجها لتقف عليها ، فلا يعسُر عليك طلبُ الحرف الذي تحتاج إليه.
ولم أر خلافاً بين اللغويين أن التأسيس المجمل في أوّل كتاب «العين» ، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد ، وأن ابن المظفَّر أكملَ الكتابَ عليه بعد تلقُّفه إياه عن فيه. وعلمتُ أنه لا يتقدَّم أحدٌ الخليل فيما أسّسه ورسمَه. فرأيت أن أحكيَه بعينه لتتأمّله وتردّد فكرك فيه ، وتستفيد منه ما بك الحاجةُ إليه. ثم أُتبعه بما قاله بعض النحويّين ممّا يزيد في بيانه وإيضاحه.
قال الليث بن المظفَّر : لما أراد الخليل بن أحمد الابتداءَ في كتاب «العين» أعملَ فكره فيه فلم يمكنه أن يبتدىء من أول ا ب ت ث لأن الألف حرف معتل فلمّا فاته أوّل الحروف كره أن يجعل الثاني أوّلاً وهو الباء إلّا بحجّة ، وبعد استقصاء. فدبَّر ونظر إلى الحروف كلّها وذاقَها ، فوجدَ مخرجَ الكلام كلّه من الحلق ، فصيَّرَ أولاها بالابتداء به أدخلَها في الحلق ، وكان ذوقُه إياها أنه كان إذا أراد أن يذوق الحرف فتح فاه بألف ثم أظهر الحرف ، نحو أت ، أح ، أع. فوجد العينَ أقصاها في الحلق وأدخلها. فجعل أول الكتاب العين ، ثم ما قرب مخرجُه منها بعد العين الأرفع فالأرفع ، حتى أتى على آخر الحروف. فإذا سئلت عن كلمة فأردت أن تعرف موضعها من الكتاب فانظر إلى حروف الكلمة ، فمهما وجدتَ منها واحداً في الكتاب المتقدم فهو في ذلك الكتاب.
قال : وقلَّب الخليل ا ب ت ث فوضعَها على قدر مخارجها من الحلق. وهذا تأليفه :
ع ح ه خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م وا ي.
قال الخليل بن أحمد : كلام العرب مبنيٌ على أربعة أصناف : على الثنائي ، والثلاثي ، والرباعي ، والخُماسيّ.
فأمّا الثنائيّ فما كان على حرفين ، نحو قد ، لم ، بل ، هل ، ومثلها من الأدوات.
قال : والثلاثي نحو قولك ضرب ، خرج ، مبنيّ على ثلاثة أحرف.
والرباعي نحو قولك : دحرج ، هملج ، قرطس ، مبنيّ على ثلاثة أحرف.
قال : والخماسيّ نحو قولك : اسحنككَ ، اقشعرَّ ، اسحنفر ، مبنيّ على خمسة أحرف.