المادية الشخصية إذ يقول سبحانه عنهم : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) (١).
ثمّ أنّه سبحانه يقول في بيان نتيجة أكل أموال اليتامى : (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً).
و «يصلى» من «الصلى» بمعنى الدخول في النار والاحتراق بلهيبها ، وأمّا «السعير» فبمعنى النار المشتعلة.
ويقصد القرآن من هذه الجملة إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى مضافا إلى أنّهم يأكلون النار ـ في الحقيقة ـ في هذه الدنيا سيدخلون عمّا قريب نارا مشتعلة الأوار وحارقة اللهب في الدار الآخرة.
ويستفاد من هذه الآية أن لأعمالنا مضافا إلى وجهها الظاهري وجها واقعيا أيضا،وجها مستورا عنّا في هذه الدنيا ، لا نراه بعيوننا هنا ، ولكنّه يظهر في العالم الآخر،وهذا الأمر هو ما يشكل مسألة تجسم الأعمال المطروحة في المعتقدات الإسلامية.
إنّ القرآن يصرح في هذه الآية بأنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما وجورا ، وإن كان الوجه الظاهري لفعلهم هذا هو الأكل من الأطعمة اللذيذة الملونة ، ولكن الوجه الواقعي لهذه الأغذية هو النار المحرقة الملتهبة ، وهذا الوجه هو الذي يظهر ويتجلّى على حقيقته في عالم الآخرة.
إنّ بين الوجه الواقعي للعمل والكيفية الظاهرية للعمل تناسبا وتشابها دائما ، فكما أن أكل مال اليتيم وغصب حقوقه يحرق فؤاد اليتيم ، ويؤذي روحه ، فكذا يكون الوجه الواقعي للعمل نارا محرقة.
إنّ الانتباه إلى هذا الأمر (أي الوجه الحقيقي الواقعي لكل عمل) خير رادع للذين يؤمنون بهذه الحقائق ، كيما لا يرتكبوا المعاصي ولا يقترفوا الذنوب ، فهل يوجد ثمّة من يحب أن يأخذ بيديه قبسات من النار ، ويضعها في فمه ويبتلعها؟
__________________
(١) البقرة ، ١٧٤.