محيطهم الملوث ، فهم مستثنون من حكم العذاب ، لأنّ هؤلاء معذورون في الحقيقة ، وإنّ الله لا يكلف نفسا ما لا تطيق ، (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً).
والآية الأخيرة من الآيات الثلاث المذكورة تبيّن احتمال أن يشمل الله بعفوه هؤلاء، إذ تقول : (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً).
وقد يرد هنا سؤال وهو : لو أن هؤلاء الأشخاص كانوا في الحقيقة معذورين ، فلما ذا لا تعدهم الآية بعفو إلهي حتمي ، بل تبين احتمال أن يشملهم هذا العفو إذ تأتي الآية بعبارة «عسى» لتأكيد احتمالية الأمر؟
وجواب هذا السؤال هو نفس الجواب الذي ذكرناه في ذيل الآية (٨٤) من سورة النساء والذي بيّنا من خلاله أن القصد من استخدام مثل هذه العبارات هو أن الحكم الوارد في الآية مقيد بشروط خاصّة يجب الالتفات إليها ، وهنا يكون الشرط هو أن يتبادر هؤلاء المستضعفون حقيقة إلى الهجرة ـ دون تردد ـ حتى ما سنحت لهم فرصة ذلك دون أن يقصروا في هذا الأمر فعند ذلك يشملهم العفو الإلهي.
نقاط يجب الالتفات إليها :
١ ـ استقلال الرّوح
إن الإتيان بكلمة توفى في الآية الشريفة المارة الذكر بدلا من ذكر كلمة «الموت» إنّما هو في الحقيقة إشارة إلى أنّ الموت ليس هو الفناء التام ، بل هو حالة تتلقى فيها الملائكة روح الإنسان ، أي أن الملائكة يقبضون من الإنسان روحه التي هي جوهر وجوده ، فتؤخذ هذه الروح إلى العالم الآخر ، وإنّ الإتيان بمثل هذه العبارة بصورة متكررة في القرآن الكريم ، يعتبر من أوضح الأدلة القرآنية على قضية وجود الروح وبقائها بعد الموت ، حيث سنتطرق إلى ذلك لدى تفسير