فمثلا : تصعيد عدد الشهود في الزنا إلى الأربعة ـ كما في الآية الحاضرة ـ من الأمور الصعبة جدّا بحيث لا يثبت بها إلّا من كان مجرما جسورا جدّا ، ولا شك أن مثل هؤلاء لا بدّ أن ينالوا عقابا ثقيلا وقاسيا ليعتبر بهم الآخرون ، فتطهر بذلك البيئة الاجتماعية من لوث الفساد والانحراف والتورط في الجريمة ، كما أن المواصفات والشروط المعتبرة في الشهود مثل رؤية العملية الجنسية بعينها ، وعدم الاكتفاء بالقرائن ، ومثل الاتحاد في الشهادة وما شاكل ذلك تجعل إثبات الجريمة أصعب جدّا.
وبهذا الطريق جعل الإسلام احتمال التعرض لمثل هذه العقوبة القاسية الثقيلة نصيب عيني هذا النوع من المجرمين ، وهو احتمال مهما كان ضعيفا من شأنه أن يؤثر في ردع الأشخاص ، وكبح جماحهم ، وأمّا الدقّة في كيفية إثبات هذه الجريمة ، والتشدد في الشرائط التي اعتبرها في الشهادة والشهود فهو لأجل أن لا تتسع دائرة هذه الأعمال الخشنة ، ولا يقتصر استعمال العقوبات الخشنة فيها على أقل الموارد ، وفي الحقيقة أراد الإسلام أن يحافظ على الأثر التهديدي لهذا القانون الجزائي من دون أن يعرض أفرادا كثيرين لعقوبة الإعدام من جانب آخر.
ونتيجة ذلك هي أنّ هذا الأسلوب الإسلامي في تعيين العقوبة وطريق إثبات الجريمة من أكثر الأساليب تأثيرا ونجاحا في خلاص المجتمع من التورط في الآثام والمعاصي في حين لا يتعرض لمثل هذه العقوبة أفراد كثيرون ، وبهذا نصف هذا الأسلوب بالأسلوب «السهل الممتنع».
* * *