(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى) (١) (بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) أفيصح أن تفعلوا ذلك وكأنّكما غريبان لا رباط بينكما ولا علاقة؟
وهذا يشبه قولنا لمن عاشا صديقين حميمين زمنا طويلا ثمّ تنازعا : كيف تتنازعان وقد كنتما صديقين حميمين سنوات طويلة وأعواما عديدة؟
وفي الحقيقة أن ارتكاب مثل هذا الفعل في حق الزوجة شريكة الحياة ما هو إلّا ظلم للنفس.
ثمّ أنّه سبحانه تعالى : (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) أي كيف تبخسون الزوجة حقّها في الصداق وقد أخذت منكم ـ لدى عقد الزواج بينكما ـ ميثاقا غليظا وعهدا موثقا بأن تؤدوا إليهنّ حقوقهنّ كاملة ، فكيف تتنكرون لهذا الميثاق المقدس وهذا العهد المأخوذ منكم لها حالة العقد؟
ثمّ يجب أن نعرف أنّ الآية الحاضرة وإن وردت في مقام تطليق الزوجة الأولى لغرض إحلال زوجة أخرى مكانها إلّا أنّها لا تختصّ بهذا المورد خاصّة ، بل تعمّ كل موارد الطلاق الذي يتمّ باقتراح من جانب الزوج ولا تكون لدى الزوجة رغبة في الإفتراق ، فإنّه يجب على الزوج في هذه الحالة أن يعطي الصداق بكامله إلى الزوجة إذا أراد أن يطلقها ، وأن لا يسترد شيئا من الصداق إذا كان قد أعطاه إياها ، سواء قصد أن يتزوج بامرأة أخرى أو لا.
وعلى هذا تكون عبارة : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ) ناظرة في الحقيقة إلى ما كان سائدا في العهد الجاهلي ، وليس له أي دخل في أصل الحكم ، فهو ليس قيدا.
على أنّه ينبغي التنبيه أيضا إلى أن لفظة «استبدال» تعني طلب البديل ، ولهذا يكون قد أخذ فيها قيد الإرادة ، فإذا قرنت بكلمة «أردتم» فإنما ذلك لأجل التنبيه
__________________
(١) الإفضاء أصله من الفضاء ، وهو السعة ، وبذلك يكون معنى الإفضاء إيجاد السعة ، لأن الإنسان بسبب الاتصال والتعايش مع شخص آخر يكون وكأنه وسع دائرة وجوده ، ولهذا استعمل الإفضاء بمعنى الملامسة والاتصال.