وثالثة بالكبيرة و «اللمم».
والآن يجب أن نعرف ما هو الملاك والضابطة في تحديد الصّغيرة والكبيرة.
يذهب البعض إلى أنّ هذين الوصفين من الأمور النسبية ، تكون كل معصية بالنسبة إلى ما هو أكبر منها صغيرة ، وبالنسبة إلى ما هو أصغر منها كبيرة (١).
ولكن من الواضح أنّ هذا المعنى لا ينجسم مع ظاهر الآية الحاضرة ، لأنّ الآية الحاضرة تقسم الذنوب إلى صنفين مستقلين ، وتعتبرهما نوعين متقابلين ، وتعتبر الاجتناب عن صنف موجبا للعفو والتكفير عن الصنف الآخر.
ولكننا إذا راجعنا المعنى اللغوي للكبيرة وجدنا أنّ الكبيرة هي كل معصية بالغة الأهميّة من وجهة نظر الإسلام ، ويمكن أن تكون علامة تلك الأهمية أن القرآن لم يكتف بالنهي عنها فقط ، بل أردف ذلك بالتهديد بعذاب جهنم ، مثل قتل النفس والزنا وأكل الربا وأمثال ذلك ، ولهذاجاء في روايات أهل البيت عليهمالسلام : «الكبائر التي أوجب الله عزوجل عليها النار» ،وقد روي مضمون هذا الحديث عن الإمام الباقر عليهالسلام والإمام الصادقعليهالسلام،والإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام (٢).
وعلى هذا الأساس تسهل معرفة المعاصي الكبيرة إذا أخذنا بنظر الإعتبار الضابطة المذكورة ، وما قد ذكر في بعض الروايات من أنّ عدد الكبائر سبع وفي بعضها عشرون وفي بعضها سبعون لا ينافي ما ذكرناه قبل قليل ، إذ أنّ بعض هذه الروايات يشير ـ في الحقيقة ـ إلى المعاصي الكبيرة من الدرجة الأولى ، وبعضها الآخر يشير إلى المعاصي الكبيرة من الدرجة الثّانية ، وبعضها الثالث يشير إلى جميع الذّنوب الكبيرة.
__________________
(١) وقد نسب العلّامة الطبرسي رحمهالله في مجمع البيان هذا الإعتقاد إلى علماء الشيعة في حين أنّ الأمر ليس كذلك ، فلكثير من علماء الشيعة رأي آخر سنأتي على ذكره بالتفصيل.
(٢) نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٤٧٣.